للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأتم وأنمى وأجلّ وأعلى صلاة صلاها على صفوة أنبيائه، وخالصة ملائكته، وأضعاف ذلك، إنه حميد مجيد.

أُوصيكم عباد الله مع نفسي بتقوى الله، والعمل بطاعته، والمجانبة لمعصيته، وأحضكم على ما يدنيكم منه، ويزلفكم لديه، فإن تقوى الله أفضل زاد، وأحسن عاقبة فى معاد، ولا تلهينكم الحياة الدنيا بزينتها وخدعها وفواتن لذاتها، وشهوات آمالها. فإنها متاع قليل ومدة إلى حين، وكل شئ منها يزول، فكم عاينتم من أعاجيبها؟ وكم نبت لكم من حبائلها؟ وأهلكت من جنح إليها واعتمد عليها، أذاقتهم حلواً، ومزجت لهم سماً. أين الملوك الذين بنوا المدائن، وشيدوا المصانع، وأوثقوا الأبواب، وكاثفوا الحجاب (١) وأعدوا الجياد، وملكوا البلاد، واستخدموا التلاد؟ (٢) قبضتهم بمحملها، وطحنتهم بكلكلها (٣) وعضتهم بأنيابها، وعاضتهم من السعة ضيقاً، ومن العزة ذلا، ومن الحياة فناء، فسكنوا اللحود، وأكلهم الدود، واصبحوا لا ترى إلا مساكنهم، ولا تجد إلا معالمهم، ولا تحس منهم من أحد ولا تسمع لهم نبساً (٤)، فتزودوا عافاكم الله، فإن أفضل الزاد التقوى، واتقوا الله يا أولى الألباب لعلكم تفلحون. جعلنا الله وإياكم ممن ينتفع بمواعظه، ويعمل لحظه وسعادته، ومنن يستمع القول فيتبع أحسنه.

أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب. إن أحسن قصص المؤمنين،


(١) (وكاثفوا .. إلخ) أى جعلوا الستر كثيفاً متيناً.
(٢) التلاد بكسر التاء وفتحها: المال القديم عند الإنسان من خيل وعبيد، وهو ضد الطارف.
(٣) (المحمل) كمجلس فى الأصل: شقان على البعير يحمل فيهما العديلان. والمراد به هنا القبر لأنه يشق فى الأرض، و (الكلكل) بفتح فسكون ففتح فى الأصل: الصدر، والمراد به هنا الشدة.
(٤) تحس بضم التاء: من الإحساس وهو فىالأصل الإبصار ثم استعمل فى العلم بأى حاسة. و (النبس) بفتح فسكون: الكلام والحركة.