للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سنة ٦٣٢ ميلادية " وعمره ثلاث وستون سنة. ولما قبض النبي صلى الله عليه وسلم دهش أصحابه دهشة عظيمة وطاشت عقولهم واختلط أمرهم. وممن اختلط عمر رضى الله عنه فجعل يصيح ويقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت وتهدد من قاله. واقعد على رضى الله عنه فلم يستطع حراكا. وأخرس عثمان رضى الله عنه. واضنى عبد الله بن أنيس حتى مات كمذا. واضطرب الأمر وجل الخطب وفدحهم هول المصيبة وحق لهم ذلك. وكأن أثبتهم العباس وأبو بكر.

فقد بلغ الخبر أبا بكر وهو بالسنح فجاء وعيناه تهملان وزفراته تتردد في صدره وغصصه ترتفع (١) وهو في ذلك رضى الله عنه ثابت القلب حسن القول. ودخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكشف وجهه وقبل جبينه وجعل يبكى ويقول: يأبى أنت وأمي طبت حبا وميتا وانقطع لموتك ما لم ينقطع لموت أحد من الأنبياء. ولو أن موتك كان اختيارا لجدنا لموتك بالنفوس. ولولا أنك نهيت عن البكاء لأنفذنا عليك ماء العيون. فأما مالا نستطيع نفيه فكمد


(١) (اضنى) أى اصابه الضنا وهى مرض يتولد من وجع القلب. و (الكمد) بفتحتين الحزن المكتوم. و (السنح) (بضم فسكون أو فضم. موضع قرب المدينة كان به مسكن الصديق. و ٠ هملت عينه تهمل) من باب نصر فاضت بالدموع. و (الزفرات) (جمع زفرة ٠ بسكون الفاء) وهى النفس بفتحتين يقال: زفر يرفر من باب ضرب زفرا وزفيرا إذا خرج نفسه ممدودا " والغصص " جمع غصه وهىهنا ما يعرض للباكى فى حلقة من الحزن والغيظ.