للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فبكى، فلما بكى أهل البيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رحمك الله ابا السائب، وكان السائب قد شهد معه بدرا. قال: فتقول أم معاذ: هنيئا لك ابا السائب الجنة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يدريك يا أم معاذ؟ أما هو فقد جاءه اليقين ولا نعلم إلا خيرا. قالت: لا والله لا أقولها لأحد بعده أبدا أخرجه الطبرانى فأعقبني الكبير وهو مرسل ورجاله ثقات (١). {٣٦٧}

ففيما ذكر دليل على جواز البكاء الخالي مما لا يجوز كالصراخ والندب وشق الجيب ولطم الخد. وقد بكى النبي صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون كما ترى وبكى عند موت ولده إبراهيم غيره (روى) ثابت البنانى عن أنس قال: دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سيف القين وكان ظئرا لإبراهيم، فإخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقبله وشمه ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان. فقال له عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله؟ فقال: يابن عوف إنها رحمة ثم أتبعها بإخرى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضى ربنا وإنا بفراقك بإبراهيم لمحزونون. أخرجه الشيخان والبيهقى وهذا لفظ البخاري (٢). {٣٦٨}


(١) انظر ص ١٨ ج ٣ مجمع الزوائد (ما جاء فى البكاء).
(٢) انظر ص ١١٢ ج ٣ فتح البارى (قول النبى صلى الله عليه وسلم إما بك لمحزونون) (وص ٧٤ ج ١٥ نووى ٠ رحمته صلى الله عليه وسلم). و (القين) بفتح فسكون، الحداد. و (الظئر) (بكسر فسكون زوج المرضع ٠ وتذرفان) أى يجرى دمعهما (وإنها رحمة) أى ما تراه من دمع العين هو رحمة أودعها الله فى قلوب عباده المؤمنين تنشا عن رقة القلب لا من الجوع. و (لمحزونون) كان حزن النبى صلى الله عليه وسلم بحكم الطبيعة لبشرية وهذا ليس محظورا فى الشرع إلا إن صحبة رفع صوت وجزع. وخاطب النبى صلى الله عليه وسلم ابنه إبراهيم بهذه الكلمات مع أنه لم يكن يفهم الخطاب لصغره واحتضاره ليبين أن مثل هذا القول ليس منهيا عنه.