للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(وذهب) الجمهور إلى تأويل الأحاديث الدالة على تعذيب الميت ببكاء أهله عليه لمخالفتها لقوله تعالى: " وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى " (١)، واختلفوا في التأويل على أقوال (أ) ذهب الجمهور إلى حملها على من أوصى أن يبكى عليه ويناح بعد موته فنفذت وصيته. فهذا يعذب ببكائهم ونوحهم عليه لأنه بسببه ومنسوب إليه. وكان ذلك معروفا للعرب. قال طرفة بن العبد:

إذا مت فانعيني بما أنا أهله ... وشقى على الجيب يا ابنه معبد

(واعترض) بإن التعذيب بسبب الوصية يستحق بمجرد صدروها والحديث دال على أنه إنما يقع عند وقوع الامتثال (والجواب) أنه ليس شئ السياق حصر فلا يلزم من وقوعه عند الامتثال أن لا يقع إذا لم يمتثلوا مثلا. أما من بكى عليه أهله وناحوا من غير وصية فلا يعذب، لقوله تعال: " وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى " وهذا هو الصحيح وعليه عامة أهل العلم.

ب- (وقال) داود الظاهري وطائفة: إنها محمولة على من لم ينه أهله عن ذلك. ولا يخفى أن محله ما إذا لم يتحقق أنه ليست لهم بذلك عادة ولا ظن أنهم يفعلون ذلك ولم يعلمهم بتحريمه ولا زجرهم عن ارتكابه، فإذا عذب على ذلك عذب بفعل نفسه لا بفعل غيره بمجرده.

جـ- (وقال) ابن حزم وجماة: الأحاديث محمولة على أنه يعذب بسبب الأمور التي يبكية أهله بها ويعذبونه لأجلها كرياسته التي جار فيها وشجاعته التي صرفها شئ معصية الله. وكرمه البخاري لم يضعه شئ موضعه. فهم يمدحونه بها ويبكونه لأجلها وهو يعذب بها (٢) (واستدلوا) بحديث ابن عمر السابق في بحث البكاء


(١) انظر ص ٩٩ ج ٣ فتح البارى (قول النبى صلى الله عليه وسلم: يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه).
(٢) الأنعام: ١٦٤