والمعنى لا يأتي أحدكم بما يدل على تنقيص غيره ولو تعويضاً فإن من نقص مسلماً أو ثلم عرضه فهو كآكل لحمه حياً. ومن اغتابه فهو كآكل لحمه ميتاً. وهذا مكروه لديكم قطعاً فينبغي أن تكون الغيبة كذلك فامتثلوا أمر ربكم واحذروا عقابه بتباعدكم عما نهاكم عنه لأنه جل شأنه بليغ في قبول التوبة يجعل التائب كمن لم يذنب ويفيض عليه آثار إحسانه.
(واللغو) الباطل وكل ما لا ثواب فيه وهو والغيبة مذمومان منهي عنهما كل إنسان والصائم أشد نهياً عنهما وعن غيرهما. وقد جاء في تحذيره مما ذكر أحاديث (منها) حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"أخرجه الجماعة إلا مسلماً (١){٥٧}
المراد بالزور الحرام ومنه الكذب والغيبة. والمعنى أن من لم يترك حال صيامه القول الباطل من الكذب والغيبة وشهادة الزور والبهتان والقذف والسب واللعن والميل عن الحق وغير ذلك مما يجب على الإنسان اجتنابه، لا يقبل الله صيامه ولا يثيبه عليه (وقال) عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن امرأتين صامتا وإن رجلاً قال: يا رسول الله. إن هاهنا امرأتين قد صامتا وإنهما قد كادنا أن تموتا من العطش فأعرض عنه أو سكت ثم عاد قال يا نبي الله إنهما والله قد ماتتا أو كادتا أن تموتا قال ادعهما فجاءتا فجيء
(١) انظر ص ٧٦ ج ١٠ الفتح الرباني (تحذير الصائم من اللغو والرفث والغيبة) وص ٨٢ ج ٤ فتح الباري (من لم يدع قول الزور والعمل به) وص ٨٧ ج ١٠ - المنهل العذب المورود. وص ٢٦٦ ج ١ - ابن ماجه وص ٣٩ ج ٢ تحفة الاحوذي (التشديد في الغيبة للصائم) (فليس لله حاجة) لا مفهوم له فإن الله تعالى لا يحتاج إلى شيء. وإنما المعنى: فليس لله إرادة في قبول صيامه. فوضع الحاجة موضع الإرادة. وهذا النفي كناية عن عدم القبول أي لا يقبل الله صيامه. وليس المعنى أنه يؤمر بأن يدع صيامه وإنما المعنى التحذير من قول الزور وعمله. ومقتضاه أن من فعل ما ذكر لا يثاب على صيامه وان ثواب الصيام لا يوازن إثم ما ذكر.