للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دحية وهي قرية كبيرة بينها وبين دمشق نصف فرسخ، والمسافة التي بينها وبين المحل الذي انتهى سير دحية إليه كالمسافة التي بين مصر العتيقة وبين قرية عقبة، ولعلها أميال. وقد رأى دحية أن هذه المسافة يرخص فيها للصائم بالفطر، ولذا أفطر وأفطر بعض من معه وعاب على من صام، لأنه فهم أن صيامهم ليس بقصد العزيمة بل هو إعراض عن رخصة الإفطار في السفر أو أنه يرى أن الفطر واجب بالسفر (قال) الخطابي: يحتمل أن يكون دحية إنما صار في ذلك إلى ظاهر اسم السفر، وقد خالفه غير واحد من الصحابة فكان ابن عمر وابن عباس لا يريان القصر والإفطار في أقل من أربعة برد وهما أفقه من دحية وأعلم بالسنة (١).

(وقال) الليث بن سعد: الأمر الذي اجتمع الناس عليه ألا يقصروا الصلاة ولا يفطروا إلا في مسيرة أربعة برد في كل بريد اثنا عشر ميلاً

(قال) البيهقي: قد روينا في كتاب الصلاة: ما دل على هذا عن عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر. والذي روينا عن دحية الكلبي إن صح ذلك فكأنه ذهب فيه إلى ظاهر الآية في الرخصة في السفر، وأراد بقوله: رغبوا عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، أي في قبول الرخصة لا في تقدير السفر الذي أفطر فيه (٢)، وإذا قال الأئمة الأربعة والجمهور: لا يجوز الفطر للمسافر إلا في مسافة تقصر فيها الصلاة والخلاف في فطر المسافر كالخلاف في قصر المسافر الصلاة فكل سفر يبيح قصر الصلاة فهو مبيح لفطر الصائم (٣).


(١) انظر ص ١٢٧ ج ٢ معالم السنن (والبرد) بضمتين جمع بريد. فتكون المسافة بالليل ثمانية وأربعين ميلاً. وبالكيلو متر نحواً من تسعة وثمانين كيلو متراً عند غير الحنفيين وعندهم ٨٣.٥ ك ونصف كما تقدم في مسافة القصر (انظر ص ٤٤ ج ٤ الدين الخالص).
(٢) انظر ص ٢٤١ ج ٤ بيهقي.
(٣) (فهو مبيح لفطر الصائم) قال ابن رشد: ذهب الجمهور إلى أنه إنما يفطر في السفر الذي نقصر فيه الصلاة وذلك على حسب اختلافهم في هذه المسألة. وذهب قوم إلى أنه يفطر في كل ما ينطلق عليه اسم سفر وهم أهل الظاهر (وسبب) اختلافهم معارضة ظاهر اللفظ للمعنى وذلك أن ظاهر اللفظ أن كل من ينطلق عليه اسم مسافر فله أن يفطر لقوله تعالى (فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر) وأما المعنى المعقول من إجازة الفطر في السفر فهو المشقة. ولما كانت لا توجد في كل سفر وجب أن يجوز الفطر في السفر الذي فيه المشقة. ولما كان الصحابة كأنهم مجمعون على الحد في ذلك وجب أن يقاس ذلك على الحد في تقصير الصلاة (انظر ص ٢٠٦ ج ١ بداية المجتهد).