للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لكن فى المواضع التى تركها الشارع صلوات الله عليه وسلامه ولم يعين فيها شيئا معلوماً وقد رتب الشارع صلوات الله عليه وسلامه للصبح أذاناً قبل طلوع الفجر وأذاناً عند طلوعه (١) ثم قال ومع ذلك ترتب عليه مفاسد (ومنها) ارتكاب نهيه عليه الصلاة والسلام بقوله: " لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن " (٢) {١٣٨}

(فإذا نهى) صلى الله عليه وسلم عن الجهر بالقرآن وتلاوته من أكبر العبادات. وما ذاك إلا لما يدخل من التشويش على من فى المسجد ممن يتعبد إذا جهر به " فما بالك " بما يفعلونه فيه من هذه الطرق التى يعملونها فى التسبيح وما يفعلونه فيه ما يشبه الغناء فى وقت، والنوح فى وقت. وندب الأطلال (٣) فى وقت، وينشدون فيه القصائد وفى المسجد من المتهجدين ما هو معلوم. فلا يبقى أحد منهم إلا وقد وصل له من التشويش ما لا خفاء فيه. فيتفرق أمرهم وتتشوش خواطرهم. ولو قدرنا أن المسجد ليس فيه أحد لمنع أيضا، لأنه بصدد أن يأتى الناس إليه. فأين هذا مما روى عن سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى حين كان فى المسجد آخر الليل يتهجد ثم دخل عمر بن عبد العزيز، وكان إذ ذاك خليفة. وكان حسن الصوت فجهر بالقراءة. فلما سمعه سعيد بن المسيب قال لخادمه: أذهب إلى هذا المصلى فقل له إما أن تنخفض من صوتك وإما أن تخرج من المسجد. ثم أقبل على صلاته. فجاء الخادم فوجد المصلى عمر بن عبد العزيز فرجع ولم يقل له شيئا. فلما سلم سعيد بن المسيب قال لخادمه.


(١) انظر ص ١٠٨ ج ٢ مدخل.
(٢) هذا عجز حديث أخرجه مالك وأحمد عن فروة بن عمرو. انظر هامش رقم ٧ ص ١٦ فتاوى أئمة المسلمين.
(٣) جمع طلة - بفتح وشد اللام - والمراد بها العجوز والبذية.