للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يصحُّ أيضًا بيعٌ ولا شراءٌ (مِمَّنْ تَلْزَمُهُ) صلاةُ (الْجُمُعَةَ) (١). ولو كانَ أحدَ المتعاقدينِ والآخرُ لا تلزمُه. وفي حق من لا تلزمُه مكروهٌ (٢). والنهيُ عن البيعِ والشراءِ: (بَعْدَ) الشروعِ في (نِدَائِهَا) الثاني (٣)، وهوَ الأذانُ (الَّذِي عِنْدَ الْمِنْبَرِ) (٤) عقبَ جلوسِ الخطيبِ عليهِ؛ لقوله تعالى: ﴿إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾ (الجمعة: ٩)، فنهى عنِ البيعِ بعدَ النداءِ، وأُلحِقَ به الشراءُ؛ لأنهُ أحدُ شقَّي العقدِ، فكانَ كالشقِّ الآخرِ.

تتمة: الحرمةُ وعدمُ الصحَةِ ما لم تدعُ الضرورةُ أو الحاجةُ إليهِ، كمضطرٍ إلى طعامٍ أو شراب إذا وجدَه يباعُ، أو كعريانٍ وجدَ سترةً تباعُ، أو كعادمِ ماءٍ وجدَ ماءً يُباعُ للطهارةِ، وككفنٍ ومؤنةِ تجهيزٍ لميتٍ خِيفَ فسادُه بتأخيرِه، وكشراءِ مركوبٍ لعاجزٍ، وشراءِ قائدٍ لضريرٍ لم يجِدْ من يقتدْهُ، ونحوِ ذلكَ من كلِّ ما دعَت إليهِ الضرورةُ أو الحاجةُ، فيجوز شراؤُه (٥)؛ دفعًا للضرورةِ والحاجةِ. وخصُّوا النداءَ بالثانِي؛ لأنَّه هو الذي كانَ في زمنِه فتعلقَ الحكمُ به. وأما النداءُ الأولُ فحدَثَ في زمنِ أميرِ المؤمنينَ عثمانَ بنِ عفانَ -رضيَ اللهُ تعالى عنهُ- (٦).

قال المنقِّحُ: "أو قبلَه" أي: يحرمُ البيعُ والشراءُ قبلَ النداءِ الثانِي "لمَن منزلُه بعيدٌ، بحيثُ أنه يدركُها" انتهى (٧). فلو كانَ أحدُ المتعاقدَين يلزمُه والآخرُ لا يلزمُه


(١) وكذا صرف، وسلم، وتولية، وسائر أنواع البيع. انظر: الهداية ١٦٠، المقنع ١٥٥، شرح الزركشي ١/ ٢٦٧.
(٢) أي: يُكره أن يعقد من لا تلزمه الجمعة البيع مع من تلزمُه لما فيه من الإعانة على الإثم. انظر: المغني ٣/ ١٦٤، كشاف القناع ٣/ ١٨٠، حاشية الروض المربع ٤/ ٣٧٠. مع الحكم بعدم صحة البيع. وستأتي هذه المسألة.
أما من لا تلزمه الجمعة إذا عقد مع مثله، فلا كراهة والبيع صحيح وجهًا واحدًا. جزم به الشارح ٤/ ٤٠، وفي شرح المنتهى لمصنفه ٤/ ٥٦، وصاحب الغاية ٢/ ١٧.
(٣) انظر: مختصر الخرقي ٣٤، الشرح الكبير ٤/ ٣٩، الوجيز ١٧٥.
(٤) في الأصل تكررت كلمة (المنبر) مرتين. وهو سهوٌ.
(٥) ويجوز لمالكٍ البيع. انظر: شرح الزركشي ١/ ٢٦٧، المبدع ٤/ ٤١، معونة أولي النهى ٤/ ٥٥.
(٦) روى الزهري عن السائب بن يزيدَ قال: "كانَ النداءُ يومُ الجمعَةِ أولُهُ إذا جلسَ الإمامُ على المنبرِ، على عهدِ النبي وأبي بكرٍ وعمرَ ، فلما كانَ عثمانُ وكَثُرَ النَّاسُ زادَ النِّداءَ الثَّالثَ علَى الزَّوْراءِ. أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب المؤذن الواحد يوم الجمعة (٩١٢) ١/ ٣٠٩.
(٧) انظره في: ١٢٦. وقد ميَّزت كلام المنقِّح عن شرح المصنِّف بالقوسَين.

<<  <  ج: ص:  >  >>