للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دَينِه، فلغريمِه منعُه، حتى يقيمَ كفيلًا. قالَه الشيخُ تقيُّ الدينِ (١)؛ لأنهُ قد يوسِرُ في سفرِه، فلا يتمكنُ ربُّ الدينِ طلبَه بإحضارِه. ومَن دينُه حالًا (٢)، وهو قادرٌ على وفائِه، وطلبَه المدينُ، فسافرَ قبلَ وفائِه، لم يجُزْ له أن يترخصَ بقصرٍ، ولا فطرٍ، ولا أكلِ ميتةٍ (٣)؛ لأنه عاصٍ بسفرِه.

(وَلَا يَحِلُّ دَين مُؤَجَّلٌ بِجُنُونٍ) (٤)، (وَلَا بِمَوتٍ، إِنْ وَثَّقَ وَرَثَتُه بِمَا تَقَدَّمَ) (٥) مِن رهنٍ يحرِزُ، أو كفيلٍ مليءٍ. ويحرمُ مطالبةُ مَن عليهِ دينٌ مؤجلٌ قبلَ حلولِ أجلِه، ولا يحجرُ عليهِ (٦). (وَيَجِبُ عَلَى مَدِينٍ قَادِرٍ وَفَاءُ دَينٍ حَالً فَوْرًا، بِطَلَب رَبِّهِ) أي: ربِّ الدينِ (٧)؛ لقولِه : "مَطْلُ الْغَنِي ظُلْمٌ" (٨)، وبالطلبِ يتحققُ المطلُ، وبعدمِ الطلبِ لم يجبِ الفورُ. ولا يحجرُ على مَن لهُ مالٌ يفِي بدينِه (٩)، ولو كانَ عليهِ دينٌ مؤجل غيرُه لا يفِي بهِ (١٠)؛ لأنَّ المؤجلَ لا يطالَبُ بهِ قبلَ حلولِه. ويُمهلُ المدينُ بقدرِ بيع سلعتِه، إذا طلبَ ذلكَ ليوفيهِ منهَا، وكذلكَ يُمهلُ بقدرِ إمكانِ اقتراضٍ، ونحوِه (١١)؛ لأنهُ ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦]. فإنْ خافَ هربَه احتاطَ بملازمتِه، أو كفيلٍ (١٢). وإن طلبَ المدينُ أن يرسُمَ عليهِ (١٣) حتى يفعلَ ذلكَ، وجبَتْ إجابتُه إليه، ولم يجزْ منعُه من ذلكَ


(١) انظره في: الأخبار العلمية من الاختيارات الفقهية ٢٠٠.
(٢) كذا في الأصل، ولعل الأشبه: (حالٌّ) بالرفع خبر المبتدأ.
(٣) انظر: الفروع ٦/ ٤٥٤، الإقناع ٢/ ٣٨٨، غاية المنتهى ٢/ ١٢٩.
(٤) انظر في عدم الحلول بالجنون: المبدع ٤/ ٣٢٧، الإنصاف ٥/ ٣٠٨، منتهى الإرادات ١/ ٣١٠.
(٥) ستأتي مسألة عدم الحلول بالموت بأتم من هذا.
(٦) تقدمت هذه المسألة من كلام صاحب الدليل. عند قوله: (وَلَا يُطَالَبُ المَدِينُ، وَلَا يُحْجَرُ عَلَيهِ بِدَينٍ لَمْ يَحِلَّ).
(٧) انظر: الكافي ٢/ ١٦٨، الرعاية الصغرى ١/ ٣٦٨، المبدع ٤/ ٣٠٧.
(٨) تقدم تخريجه في باب الحوالة من حديث أبي هريرة. راجع: ص ٧٦٦.
(٩) انظر المستوعب ٢/ ٢٦٧، المقفع ١٨٦، الوجيز ٢٠٧.
(١٠) انظر: المغني ٦/ ٥٧٠، الإقناع ٢/ ٣٨٨.
(١١) انظر: الفروع ٦/ ٤٥٣، المبدع ٤/ ٣٠٧، كشاف القناع ٣/ ٤١٩.
(١٢) ذكره الإِمام ابن تيمية. انظر: المبدع ٤/ ٣٠٧، الإنصاف ٥/ ٢٧٦، منتهى الإرادات ١/ ٣٠٥.
(١٣) الترسيم: مصطلح من العصر المملوكي، معناه: اعتقال الشخص، أو وضعه تحت المراقبة. انظر: معجم المصطلحات والألفاظ التاريخية ١٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>