للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* ومع حرصه على لزوم الكتاب والسُّنَّة والإجماع، والسير على مذهب أهل السُّنَّة، إلَّا أني وقفت على أقوال له خالف فيها مذهب أهل السُّنَّة. وهي:

١ - تأويله الرحمة بالإنعام؛ حيث قال في بيان معنى الرَّحمن: "المنعم الحقيقي، البالغ في الرحمة غايتها" (١)، وهذا على تأويل الأشاعرة. والذي عليه أهل السُّنَّة: إثبات صفة الرحمة حقيقة، مع القطع بأنها ليست كرحمة المخلوق، ومن ثمراتها الإنعام. ولعله أخذ هذا عن غيره، ولم يتفطن له (٢).

٢ - قوله: "إذا فرغ الحاج من الحج وما يتعلق به ومن طواف الوداع، سن له زيارة قبر النبي وقبر صاحبيه أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضوان الله تعالى عليهما" (٣). فجعل أصل سُنتة الزيارة شدَّ الرحل لقبر النبي وقبري صاحبيه ، وهي مسألة كثر ذكرها في كتب الفقهاء. والمشروع شد الرحل للمسجد النبوي، لا للقبور. وقد قال شيخ الإسلام: "إن علماء المسلمين إذا تنازعوا في مسألة على قولين، لم يكن لمن بعدهم إحداث قول ثالث، بل القول الثالث يكون مخالفًا لإجماعهم، والمسلمون تنازعوا في السفر لغير المساجد الثلاثة، على قولين؛ هل هو حرام، أو جائز غير مستحب؟ فاستحباب ذلك قول ثالث، مخالف للإجماع، وليس من علماء المسلمين من قال يستحب السفر لزيارة القبور" (٤)، وقال: "من اعتقد السفر لزيارة قبور الأنبياء والصالحين أنه قربة وعبادة وطاعة، فقد خالف الإجماع، وإذا سافر لاعتقاده أنَّها طاعة، كان ذلك محرمًا بإجماع المسلمين" (٥). وقال: "ولهذا كان أئمة العلماء يعدون من جملة البدع المنكرة، السفر لزيارة قبور الأنبياء والصالحين، وهذا في أصح القولين غير مشروع، حتى صرح بعض من قال ذلك: إن من سافر هذا السفر لا يقصر فيه الصلاة؛ لأنه سفر معصية" (٦).

٣ - توسله بالنبي وبجاهه؛ حيث قال عند مسألة الزيارة: "ومنه - أي: من الأدعية -: اللَّهُمَّ إني أتيت قبر نبيك محمد ، متقربًا إليك بزيارته، متوسلًا إليك


(١) مسلك الراغب ص ١٢٥.
(٢) ينظر: مختصر الصواعق ٣/ ٨٦٠ و ٨٧٩، حاشية العنقري على العروض المربع ١/ ٥ - ٦، حاشية ابن قاسم ١/ ٢٩.
(٣) مسلك الراغب ٢/ ٢٠٨.
(٤) مجموع الفتاوى ٢٧/ ٣٠٨.
(٥) مجموع الفتاوى ٢٧/ ٢٢١.
(٦) منسك شيخ الإسلام ص ١٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>