ولما استقر عمل الأمة على الاعتماد في الأساس على ستة أو سبعة كتب وهي الأصول الستة، ومسند الإِمام أحمد، ولما كان فيها أصول حديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، كان انصراف الناس إليها انصرافًا يليق بمكانتها وعظم ما احتوته.
ولما كان في هذه الأصول جل ما في مسانيد الأولين، فلا شك أنه ستبقى بقية في هذه المسانيد زائدة على ما في هذه الأصول، ولما كان البحث عن تلك الزوائد عسيرًا في بعض الأحيان، وصارفًا للوقت والجهد، ولحاجة الباحث والعالم إلى هذه الزوائد، تصدى الحفاظ لإِخراجها وجمعها على نحو يسهل الاستفادة منها.
فكان من تصدى لهذا الأمر العظيم، حافظ عصره، ووحيد دهره الحافظ، الإِمام أبو الفضل أحمد بن حجر العسقلاني، عليه رحمات ربنا الباري، فكان من جملة مصنفاته النافعة، كتاب المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية، فجرد فيه زوائد ثمانية كتب حوت كثيرًا من حديث النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى مَا في الكتب السبعة، فخرج لنا كتابًا عظيم الفائدة، أصلًا في بابه، لم يسبق إلى مثله في طريقة تأليفه وتصنيفه. وقد رأى قسم السنة وعلومها بكلية أصول الدين التابعة لجامعة الإِمام محمَّد بن سعود الإِسلامية الحاجة ماسة إلى تحقيقه وخدمته الخدمة العلمية اللائقة.
وبعد استشارة المتخصصين من العلماء الأفاضل مضيت قدمًا للمشاركة في تحقيق جزء من هذا الكتاب، فكان نصيبي منه هذا القسم الذي يبتدىء بـ (باب ما يقول من سافر) من كتاب الأذكار، (إلى آخر تفسير سورة النحل).