شهد العصر الذي عاش فيه ابن أبي عمر نهضة علمية كبيرة وتميز بنشاط كبير في التأليف والتدوين شمل العراق، والشام، ومصر، وخراسان، وما حولها، وغيرها، وكان لبلاد الحجاز من هذه النهضة نصيب كبير.
وفي مكة المكرمة عاش ابن أبي عمر تحت رعاية والده بجوار البيت الحرام في جو علمي صالح، وبيئة طيبة، ويظهر أن والده اعتنى بتحفيظه القرآن الكريم وأسمعه الحديث منه ومن غيره، فقد كان أبوه من رواة الحديث لكنه كان مقلًا من الرواية حتى لا يكاد يعرف أحد روى عنه غير ابنه محمد.
ونظرًا لقلة، بل وندرة ما كتب حول حياته في مكة لم أستطع أن أتبين بدقة نشأته وطلبه للعلم، لكن الذي يتأمل مشايخه يدرك أنه كان طالبًا جادًا لم يكن ليضيع فرصة السماع من الكبار وإدراكهم أمثال وكيع، وبشر ابن السري، وأبي معاوية وغيرهم، ممن سيأتي.
[المطلب الخامس رحلته]
لم تكن همة العدني -رحمه الله- لتقصر عن الرحلة إلى البلاد المجاورة أو النائية للقاء الحفاظ وتحصيل الأسانيد العالية، وما هو -رحمه الله- بالذي يأنف من أن تَغْبَرّ قدماه في سبيل الله.
لكن البلد الحرام كان موطنه، وهو البلد الذي تضرب له أعناق المطي وتقطع إليه المفاوز والهواجر كل عام، فيقصده حجاج بيت الله من كل بقاع الأرض على تعدد أجناسهم، ومن بينهم كبار العلماء من أصحاب الفقه، والحديث، وسائر صنوف العلم، ناهيك عمن يأتون في أثناء العام في غير شهر