للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[المطلب السادس فقهه، وتأثره بالشافعي]

أقام الإمام أحمد بن حنبل في مكة، على سفيان بن عيينة، ينهل من معين علمه الصافي، لكنه لم يكن صاحب علم واحد، بل كان يدور على حلق العلم المختلفة، فكان من بين هذه الحلق حلقة محمد بن إدريس الشافعي، التي كانت تغوص في بحور النصوص القرآنية والحديثية، لتستخرج منها اللؤلؤ والمرجان، فكان أحمد يلازم هذه الحلقة كثيرًا، ويدعو من رأى من إخوانه المحدثين إليها، لكنهم كانوا يظهرون النفرة منها في الوهلة الأولى، لتطرقها إلى شيء من القياس والرأي، لكن سرعان ما تنقلب هذه النفرة إعجابًا بذلك الإمام الفذ الثاقب البصيرة. قال إسحاق بن راهويه (١): كنا بمكة- والشافعي بها، وأحمد بن حنبل بها- فقال لي أحمد بن حنبل: يا أبا يعقوب، جالس هذا الرجل.

-يعني: الشافعي- قلت: ما أصنع به: وسنه قريب من سننا؟ أترك ابن عيينة، والمقبري؟! فقال: ويحك، إن ذاك يفوت، وذا لا يفوت. فجالسته. اهـ.

وقد تمنى إسحاق أن يكون عرف هذا الإمام وما أوتي من الفهم قبل ذلك، وكان يتأسف على ما فاته (٢).

فكان الحميدي واحدًا من أولئك النفر الذين اهتم أحمد بشأنهم، وسعى لإفادتهم. قال الحميدي (٣): كان أحمد بن حنبل قد أقام عندنا بمكة على سفيان بن عيينة، فقال لي -ذات يوم أو ذات ليلة-: ههنا رجل من قريش، له


(١) آداب الشافعي (ص ٤٣).
(٢) انظر: توالي التأسيس (ص ٩٠).
(٣) آداب الشافعي (ص ٤٣ - ٤٤)؛ والحلية (٩/ ٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>