ظل ذكر الإمام إسحاق بن راهويه في عداد الأموات، فلا يكاد يعرف عنه شيء، إلَّا القليل من الناس، وتختلف هذه المعرفة من شخص لآخر، وهي في جملتها ضعيفة لا تقارب حجم هذا الإمام، الذي كان له الباع الطويل في أكثر علوم الشريعة، سيما الحديث، والفقه. بل لقد كان له أتباع يذهبون مذهبه، ويفتون بما انتهى إليهم من اجتهاده. لكنهم انقرضوا لأسباب من أهمها الحُكَّام، ومَنْ حَولَهم من رؤوس المذاهب الأخرى. فبات من المحتم على أهل العلم وطلابه إزاحة هذا الستار، وكشف الغمة عن شخص هذا الجهبذ الفريد، وقد قام ببعض ذلك الدكتور عبد الغفور عبد الحق البلوشي، فعندما قام بتحقيق جزء من مسنده، وهو مسند أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قدم له بترجمة وافية لهذا الإمام، جمع فيها مادة علمية لا يستهان بها، نقبها من مصادر شتى، ثم أتبع ذلك بدراسة وافية للموجود من مسنده (١).
لكن هذا الإمام بحر خضم، فلا يزال بحاجة إلى دراسات متخصصة متعددة، كي تبرز شخصيته، ويستفاد من علمه، وهذه أمانة في أعناق المؤسسات العلمية الإسلامية، بالدرجة الأولى، ثم في أعناق علماء ومفكري هذا العصر الزاهر. وليس باستطاعتي في هذه العجالة أن أقدم أكثر مما قدمه من
(١) طبعت هذه للدراسة في مجلد مسقل بنشر مكتبة الإيمان بالمدينة النبوية عام ١٤١١هـ.