وأما ما وقع من الشك في رواية مسدد، ورواية أبي يعلى، فمنجبر برواية البزار، وابن خزيمة، فإنه لا شك فيهما. فلعل عبد الله بن داود الخريبي سمعه منه مرة بالشك، ومرة بالجزم.
وهذا الحديث من أحاديث هشام بن عروة التي رواها أهل العراق عنه، وقد كان يحدث بالعراق وليس عنده كتب فكان ربما شك في وصل الحديث وإرساله، فتارة يصله وتارة يرسله، قال يعقوب بن شيبة: هشام مع تثبته ربما جاء عنه بعض الاختلاف، وذلك فيما حدث بالعراق خاصة، ولا يكاد يكون الاختلاف عنه فيما يفحش؛ يسند الحديث أحيانًا ويرسله أحيانًا، لا أنه يقلب إسناده، كأنه على ما يذكر من حفظه، يقول: عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم -، ويقول: عن أبيه عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يكون، إذا أتقنه أسنده، وإذا هابه أرسله. اهـ.
قال ابن رجب: وهذا فيما نرى أن كتبه لم تكن معه في العراق فيرجع إليها، والله أعلم. اهـ. شرح العلل (٢/ ٧٦٩).
وقال الذهبي في السير (٦/ ٤٧): في حديث العراقيين عن هشام أوهام تحتمل، كما وقع في حديثهم عن معمر أوهام. اهـ.
وأما ما علل به البزار الحديث فليس بقادح لأنه لا يضر التفرد إذا كان رجال الإسناد ثقات، ولم يخالفوا من هو أوثق منهم، قال ابن الصلاح في المقدمة (ص ٣٧): إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه، فإن كان ما انفرد به مخالفًا لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك، وأضبط، كان ما انفرد به شاذًا مردودًا، وإن لم تكن فيه مخالفة لما رواه غيره وإنما هو أمر رواه هو ولم يروه غيره، فينظر في هذا الراوي المنفرد، فإن كان عدلًا حافظًا موثوقًا بإتقانه، وضبطه، قُبِل ما انفرد به، ولم يقدح الانفراد فيه. اهـ.=