وقال في موضع آخر (٤/ ٥١٢): فإنهم -يعني قريشًا- المخصوصون بالأخلاق الفاضلة والأعمال الكاملة وكانوا قبل الإسلام طبيعتهم قابلة للفضائل والفواضل والخيور الهوامل لكنها معطلة عن فعله ليس عندهم علم منزل من السماء ولا شريعة موروثة عن نبي ولا هم مشتغلون بالعلوم العقلية المحضة من نحو حساب وطب، إنما علمهم ما سمحت به قرائحهم من نحو شعر وبلاغة وفصاحة وخطب، فلما بعث الله محمد -صلى الله عليه وسلم- بالهدى أخذوه بعد المجاهدة الشديدة والمعالجة على نقلهم عن عادتهم الجاهلية وظلماتهم الكفرية بتلك الفطرة الجيدة السنية والقريحة السوية المرضية فاجتمع لهم الكمال بالقوة المخلوقة فيهم والكمال المنزل إليهم كأرض جيدة في نفسها لكنها معطلة عن الحرث أو ينبت بها شوك فصارت مأوى الخنازير والسباع فإذا طهرت عن المؤذي وزرع فيها أفضل الحبوب والثمار أنبتت من الحرث ما لا يوصف مثله. اهـ. وقال في الموضع الأول: "فإن للقرشي قوة رجلين من غير قريش" فعلم أن المراد القوة العلمية والقوة في الشجاعة والرأي كما تقرر، وهو بدل على أن المرإد بالتقديم التقديم للإمامة العظمى والإمارة. اهـ. قلت: لا دليل على تخصيص القوة بشيء معين، وحذف المعمول في التعلم والتقديم يدل على العموم فهم يتعلم منهم كل ما يمكن تعلمه وهم أيضًا مقدمون؛ لأن قوتهم مضاعفة على قوة غيرهم فيما تطلب فيه القوة لكن هذا كله مقد بالتزامهم بالشرع وفقههم في الدين كما أفادته النصوص الأخرى، والله أعلم.