= وجه آخر عن سراقة رضي الله عنه، وفي هذا مغايرة في مويضعات. اهـ.
قلت: ولفظه في البخاري -كما في الفتح (٢٨١/ ٧: ٣٩٠٦) -: عن سراقة بن جعشم قال: جاءنا رُسل كفار قريش يجعلون فِي رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبِي بكر دية كل واحد منهما لمن قتله أو أسره. فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج، إذ أقبل رجل منهم، حتى قام علينا ونحن جلوس فقال: يا سراقة، إني قد رأيت آنفًا أسودة بالساحل أراها محمدًا وأصحابه. قال سراقة: فعرفت أنهم هم، فقلت له: إنهم ليسوا بهم، ولكنك رأيت فلانًا وفلانًا انطلقوا بأعيننا. ثم لبثت في المجالس ساعة، ثم قمت فدخلت فأمرت جارتي أن تخرج بفرسي -وهي من وراء أكمة- فتحسبها علىَّ وأخذت رمحي، فخرجت به من ظهر البيت فخططت بزجه الأرض، وخفضت عاليه، حتى أتيت فرسي فركبتها، فرفعتها تقرب بي، حتى دنوت منهم، فعثرت بي فرسي، فخررت عنها، فقمت فأهويت يدي إلى كنانتي، فاستخرجت منها الأزلام، فاستقسمت بها: أضرّهم أم لا؟ فخرج الذي أكره، فركبت فرسي -وعصيت الأزلام- تقرب بي، حتى إذا سمعت قراءة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو لا يلتفت، وأبو بكر يكثر الالتفات، ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين، فخررت عنها، ثم زجرتها، فنهضت فلم تكد تخرج يديها، فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها عثان ساطع في السماء مثل الدخان، فاستقسمت بالأزلام، فخرج الذي أكره، فناديتهم بالأمان، فوقفوا، فركبت فرسي حتى جئتهم، ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية، وأخبرتهم أخبارًا ما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع، فلم يرزآني، ولم يسألاني إلَّا أن قال: أخف عنا، فسألته أن يكتب لي كتاب أمين، فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أدم، ثم مضى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَرَوَاهُ أحمد في مسنده (٤/ ١٧٥)، وأبو نعيم في دلائل النبوة (ح ٢٣٦)، والبيهقي في دلائل النبوة (٢/ ٤٨٥).