وبعد: فإنَ السنَّة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع الإِسلامي بعد كتاب الله ... وهما معًا متلازمان تلازم شهادة أن لا إله إلَّا الله، وشهادة أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَنْ لم يؤمن بالسنَّة لم يؤمن بالقرآن، وعليه فإن الاشتغال بها جمعًا وتخريجًا ودراسة من أهم ما صرفت إليه الهمم، وأفنيت فيه الساعات.
ولقد أعدّ الله لحفظ هذه السنَّة المطهرة وصيانتها رجالًا صنعهم على عينه، وأمدّهم بشتى المواهب النفسية، والعقلية، والذكاء المتوقد، والحفظ المستوعب، ما يبهر العقول، ويستنفد العجب.
فكان من آثار هؤلاء العظماء ما تزخر به المكتبة الإِسلامية اليوم وقبل اليوم من مؤلفات وضعت على المسانيد، وجوامع، وسنن على الأبواب العقائدية والفقهية، ومستخرجات، وأجزاء وتخريجات، وجمع زوائد وغيرها من أنواع علوم الحديث.
وكان من هؤلاء الأئمة الأفذاذ أمير المؤمنين في الحديث الحافظ ابن حجر العسقلاني، الذي ساهم في خدمة السنَّة النبوية، بحظ وافر، وكان من آثاره العظيمة في الحديث كتابه:"المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية".
وهو كتاب جم الفوائد لاحتوائه على زوائد عشرة مسانيد -معظمها في عالم المفقود- وجمعها في مكان واحد على الترتيب الفقهي، ولاشتماله في كثير من المواضع على بيان درجة الحديث، من صحة وضعف، واتصال وانقطاع.