= رجحه الحافظ أولًا من أن المراد بالسجدتين: الركعتان، وبالصلاة: المفروضة، هو أولى من المحمل الثاني وهو أن يراد بهما سجدتي السهو.
أولًا: لورود لفظ السجدتين بدلًا من الركعتين في كلام الصحابة. مثال هذا ما أخرجه البخاري. انظر: صحيحه مع الفتح (٣/ ٥٠): باب التطوع بعد المكتوبة.
فقد أخرج من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال:"صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سجدتين قبل الظهر، وسجدتين بعد الظهر، وسجدتين بعد المغرب، وسجدتين بعد العشاء، وسجدتين بعد الجمعة، فأما المغرب والعشاء ففي بيته". اهـ.
ويمكن اعتبار هذا الحديث شاهدًا لهذا الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وأخرج البخاري بعده من حديث صفية رضي الله عنها:"أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي سجدتين خفيفتين بعدما يطلع الفجر، وكانت ساعة لا أدخل على النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها".
ثانيًا: لأن الحديث في لفظه ما يشعر بالدوام، وإثبات سجدتين بعد كل صلاة على وجه الدوام احتياطًا للسهو: فيه إثبات ما لم يثبت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإحداث ما لم يفعله -صلى الله عليه وسلم-، والخير فيما سنه وعلمه لأمته ونقله عنه أصحابه، وأحكام السهو هي من جملة ما علمه لهم لكن لم يكن ديدنه -صلى الله عليه وسلم- أن يسهو ثم يسجد، أو يحتاط لأن يكون سها ثم يسجد وإلَاّ لنقل.
ثالثًا: على فرض أن المراد سجدتان خوف السهو، فإِن هذا فعل صحابي وقوله، واجتهاده. وما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- أولى بالاتباع، لا سيما وقد توفرت الدواعي لنقله، فهو يتكرر كل يوم خمس مرات، وحديث عبد الله بن شقيق سيأتي إن شاء الله برقم (٦٦٦) وليس فيه ما يشعر بدوام هذا منه بل فعله مرة حين أمَّ المصلين فسألوه فقال: "حدثت نفسي" أي أنه خشي أنه سها أو أنه سها فعلًا.