وجملة القول: أن الحديث بهذا الإِسناد وسند الباب حسن على أقل الأحوال، لكنه معارض برواية عمر بن ذر المرهبي الموقوفة على عائشة، فرواية عمر هذه أصح، ثم إنه معارض لحديث عائشة قالت:"فرضت الصلاة ركعتين، ثم هاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ففرضت أربعًا، وتركت صلاة السفر على الفريضة الأولى". قال الزهري: قلت لعروة: ما بال عائشة تتم؟ قال: تأولت كما تأول عثمان. أخرجه البخاري (انظر: الفتح ٢/ ٤٧٠) التقصير: باب يقصر إذا خرج من موضعه، ومسلم (١/ ٦٨٥) في صلاة المسافرين: باب صلاة المسافرين، من حديث الزهري، عن عروة، عن عائشة به.
وحديث عائشة هذا أصح، فتكون رواية سعيد بن محمد بن ثواب معلولة، لأن عائشة لو كانت تعلم أنه عليه الصلاة والسلام أتم أحيانًا لما تأولت كما تأول عثمان، والله أعلم.
على أنه اختلفت الرواية في لفظ "يُتم"، فإِن كانت "يُتم" فالقول ما سبق، وإن كانت "تُتم" و "تصوم" -كما أورده الحافظ ابن حجر في التلخيص (٢: ٤٤) - مصرحًا ومضبوطًا بأنه بالمثناة من فوق، فحينئذ لا إشكال، لأنه موقوف صراحةً على عائشة، فيكون هذا من فعلها.
قال الحافظ ابن القيم في الزاد (١/ ٤٦٥): [وقد أتمت عائشة بعد موت النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال ابن عباس وغيره: إنها تأولت كما تأول عثمان، وإن النبي -صلى الله عليه وسلم-كان يقصر دائمًا، فركب بعض الرواة من الحديثين حديثًا، وقال: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقصر وتتم هي. فغلط بعض الرواة. فقال: كان يقصر ويتم، أي هو].