فإنّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِّ هَدْيُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
لقد تكفّل الله تبارك وتعالى بحفظ دينه وصون شريعته، فوعد سبحانه بحفظ أساس الشريعة وهو كتاب الله تعالى، فقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)} (١).
ولما كانت السنة المطهرة بيانًا لهذا الكتاب العظيم وتوضيحًا لما فيه من الآيات والأحكام، فقد شملها وعده تعالى بالحفظ والبقاء والنقاء.
ولقد من الله تبارك وتعالى على هذه الأمّة برجال أتقياء، وعلماء نجباء، ونقّاد ذوي بصائر وهبوا أنفسهم لخدمة السنة المطهّرة وتيسيرها بين أيدي الناس وتنقيتها من كل شائبة، فقعّدوا لذلك قواعد وأسسًا بلغوا فيها الغاية، ونقدوا الرواة، وسبروا مروياتهم بدقة لا نظير لها، حتى لم يبق أحد ممن يُروى عنه الحديث إلَّا عرفوا حاله وبيّنوا مرتبته بين الرواة، وبذلك تمكنوا من كشف الباطل، وتمييز الخبيث من الطيب؛ لتبقى السنة طاهرة نقيّة يحفظها الله بهؤلاء الرُّجال جبال العلم والحفظ وفاءًا بوعده سبحانه، إن الله لا يخلف الميعاد.
لقد خدم هؤلاء الجهابذة السنة بألسنتهم وأقلامهم حتى أغنوا المكتبات العامة والخاصة بمؤلفاتهم، فتركوا للأمة من بعدهم ثروات هائلة وتراثًا عظيمًا.