الإِمامة في الصلاة وتعليم الفقه والحديث (٣) وفي الرعاية والقضاء فإن أعطى المعلم شيئًا من غير شرط جاز في ظاهر كلامه (٤) ويصح أخذ جعالة على ذلك وكذا الرقية (٥)
وله
(١)(وتعليم القرآن) هذا المذهب لأن من شرط هذه الأفعال كونها قربة إلى الله فلم يجز أخذ الأجرة عليها، وممن كرهه الحسن وابن سيرين وطاوس والشعبي والنخعي، لحديث عثمان بن العاص، ولما روى عبادة بن الصامت قال:"علمت ناسا من أهل الصفة القرآن والكتابة فأهدى إلى رجل منهم قوسًا قال قلت قوس وليست بمال - إلى قوله "إن سرك أن يقلدك الله قوسًا من نار فاقبلها" رواه أبو داود والأثرم، وعن أبي بن كعب "أنه علم رجلًا سورة من القرآن فأهدى إليه خميصة أو ثوبًا فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: لو أنك لبستها أو أخذتها ألبسك الله مكانها ثوبًا من نار" رواه الأثرم.
(٢)(وعنه يجوز) ذكرها أبو الخطاب، وبه قال مالك والشافعي، ونقل أبو طالب عن أحمد أنه قال: التعليم أحب إليّ من أن يتوكل لهؤلاء السلاطين، ومن أن يتوكل لرجل من عامة الناس في ضيعة ومن أن يستدين ويتجر، لعله لا يقدر على الوفاء فيلقى الله بأمانات الناس، التعليم أحب إليَّ، وهذا يدل على أن منعه في موضع أنه للكراهة لا للتحريم، وجوز أجور المعلمين أبو قلابة وأبو ثور وابن المنذر لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوج رجلًا بما معه من القرآن متفق عليه، وإذا جاز في باب النكاح جاز أخذ الأجرة عليه في إجارة، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - أحق ما أخذتم عليه كتاب الله" حديث صحيح يعنى الجعالة في مرقية لأنه ذكره في حديث أبي سعيد، ولأن الحاجة تدعو إلى الاستنابة في الحج عمن وجب عليه وعجز عن فعله ولا يكاد يوجد متبرع بذلك فيحتاج إلى بذل الأجرة فيه.
(٣)(والحديث) واختار المصنف والشارح أخذ الأجرة عليه لكون فاعله لا يختص كونه من أهل القربة، ومذهب مالك جواز أخذ الأجرة على جميع ذلك إلا الإِمامة. وكذلك عند الشافعي، ومذهب أبى حنيفة المنع مطلقًا، وجوزه الشيخ للحاجة.
(٤)(في ظاهر كلامه) فإنه قال: لا يطلب ولا يشارط، فإن أعطى شيئًا أخذه، وكرهه، طائفة من أهل العلم لحديث القوس والخميصة، ولنا ما روى الأثرم عن أبى قال "كنت أختلف إلى رجل أقرئه القرآن فيؤتى بطعام لا أكل مثله في المدينة. فذكرته للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال إن كان ذاك طعامه وطعام أهله فكل منه" فأما حديث القوس والخميصة فقضيتان في عين، فيحتمل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم أنهما فعلا ذلك خالصًا فكره أخذ العوض عنه من غير إذنه ويحتمل غير ذلك قاله في المغني.
(٥)(الرقية) لحديث أبي سعيد قال: "انطلق نفر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب، فأتوهم فقالوا يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ. فهل عند أحد منكم شيء؟ فقال بعضهم نعم والله إنى لأرقى. ولكن لم تضيفونا فاجعلوا لنا جعلًا، فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق يتنقل عليه ويقرأ الحمد الله رب العالمين فكأنما نشط من عقال، فانطلق يمشي وما به قلبه، قال فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه، فقدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكروا له فقال: وما يدريك أنها رقية. ثم قال: قد أصبتم اقسموا واضربوا لي معكم سهمًا. فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، رواه الجماعة إلا النسائي مختصرًا.