للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما أوجب نفرة نور الدين عن صلاح الدين، وكان الحادث أن نور الدين أرسل إلى صلاح الدين يأمره بجمع العساكر المصرية والمسير بها إلى بلد الفرنج والنزول على الكرك ومحاصرته ليجمع هو أيضاً عساكره ويسير إليه، ويجتمعا هناك على حرب الفرنج والاستيلاء على بلادهم؛ فبرز صلاح الدين من القاهرة في العشرين من المحرم، وكتب إلى نور الدين يعرفه أن رحيله لا يتأخر. وكان نور الدين قد جمع عساكره وتجهز، وأقام ينتظر ورود الخبر من صلاح الدين برحيله ليرحل هو، فلما أتاه الخبر بذلك رحل من دمشق عازماً على قصد الكرك، فوصل إليه وأقام ينتظر وصول صلاح الدين إليه، فأرسل كتابه يعتذر فيه عن الوصول باختلال البلاد [المصرية لأمور بلغته عن بعض شيعة العلويين، وأنهم عازمون على الوثوب بها] (١) وأنه يخاف عليها مع البعد عنها فعاد إليها، فلم يقبل نور الدين عذره. وكان سبب تقاعده أن أصحابه وخواصه خوفوه من الاجتماع بنور الدين. فحيث لم يمتثل فحيث لم يمتثل أمر نور الدين شق ذلك عليه وعظم عنده، وعزم على الدخول إلى مصر وإخراج صلاح الدين عنها، فبلغ الخبر إلى صلاح الدين، فجمع أهله، وفيهم والده نجم الدين أيوب وخاله شهاب الدين الحارمي، ومعهم سائر الأمراء، وأعلمهم ما بلغه عن عزم نور الدين على قصده وأخذ مصر منه، واستشارهم فلم يجبه أحد منهم بشيء، فقام تقي الدين عمر ابن أخي صلاح الدين - قلت: وقد تقدم ذكره في ترجمة مستقلة (٢) - قال: وقال: إذا جاء قاتلناه وصددناه عن البلاد، ووافقه غيره من أهله، فشتمهم نجم الدين أيوب وأنكر ذلك واستعظمه، وكان ذا رأي ومكر وعقل، وقال لتقي الدين: اقعد، وسبه، وقال لصلاح الدين: أنا أبوك وهذا شهاب الدين خالك، أتظن أن في هؤلاء كلهم من يحبك ويريد لك الخير مثلنا فقال: لا، فقال: والله لو رأيت أنا وهذا خالك شهاب الدين نور الدين لم يمكنا إلا أن نترجل له ونقبل الأرض بين يديه، ولو أمرنا أن نضرب عنقك


(١) لم يرد في المسودة.
(٢) ج ٣: ٤٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>