للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالسيف لفعلنا، فإذا كنا نحن هكذا كيف يكون غيرنا وكل من تراه من الأمراء والعساكر لو رأى نور الدين وحده لم يتجاسر على الثبات على سرجه، ولا وسعه إلا النزول وتقبيل الأرض بين يديه. وهذه البلاد له وقد أقامك فيها، وإن أراد عزلك فأي حاجة له إلى المجيء يأمرك بكتاب مع نجاب حتى تقصد خدمته ويولي بلاده من يريد، وقال للجماعة كلهم: قوموا عنا، ونحن مماليك نور الدين وعبيده يفعل بنا ما يريد، فتفرقوا على هذا. وكتب أكثرهم إلى نور الدين بالخبر ".

" ولما خلا أيوب بابنه صلاح الدين قال له: أنت جاهل قليل المعرفة، تجمع هذا الجمع الكثير وتطلعهم على ما في نفسك، فإذا سمع نور الدين أنك عازم على منعه عن البلاد جعلك أهم الأمور إليه، وأولاها بالقصد، ولو قصدك لم تر معك أحداً من هذا العسكر وكانوا أسلموك إليه، وأما الآن بعد هذا المجلس فسيكتبون إليه ويعرفونه قولي، وتكتب أنت إليه وترسل في المعنى، وتقول: أي حاجة إلى قصدي يجيء نجاب يأخذني بحبل يضعه في عنقي، فهو إذا سمع هذا عدل عن قصدك واستعمل ما هو أهم عنده، والأيام تندرج، والله في كل وقت في شان [والله لو أراد نور الدين قصبة من قصب سكرنا لقاتلته أنا عليها حتى أمنعه أو أقتل] (١) ففعل صلاح الدين ما أشار به والده. فلما رأى نور الدين الأمر هكذا عدل عن قصده، وكان الأمر كما قال نجم الدين أيوب. وتوفي نور الدين ولم يقصده، وهذا كان من أحسن الآراء وأجودها "؛ انتهى ما ذكره ابن الأثير.

وقال شيخنا ابن شداد في " السيرة " (٢) : لم يزل صلاح الدين على قدم بسط العدل ونشر الإحسان، وإفاضة الإنعام على الناس إلى سنة ثمان وستين وخمسمائة، فعند ذلك خرج بالعسكر يريد بلاد الكرك والشوبك، وإنما بدأ بها لأنها كانت أقرب إليه، وكانت في الطريق تمنع من يقصد الديار المصرية، وكان لا يمكن أن تعبر قافلة حتى يخرج هو بنفسه يعبرها، فأراد


(١) لم يرد في المسودة والمختار والتاريخ الباهر.
(٢) السيرة: ٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>