للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما (١) بلغ العدو ما جرى على طبرية قلقوا لذلك ورحلوا نحوها، فبلغ السلطان ذلك فترك على طبرية من يحاصر قلعتها ولحق بالعسكر، فالتقى بالعدو على سطح جبل طبرية الغربي منها، وذلك في يوم الخميس الثاني والعشرين من شهر ربيع الآخر، وحال الليل بين العسكرين قياماً (٢) على مصاف إلى بكرة يوم الجمعة الثالث والعشرين منه، فركب العسكران وتصادما، والتحم القتال واشتد الأمر، وذلك بأرض قرية تعرف بلوبيا، وضاق الخناق بالعدو وهم سائرون كأنهم يساقون إلى الموت وهم ينظرون، وقد أيقنوا بالويل والثبور، وأحسن نفوسهم أنهم في غد يومهم ذلك من زوار القبور، ولم تزل الحرب تضطرم، والفارس مع قرنه يصطدم، ولم يبق إلا الظفر، ووقع الوبال على من كفر، فحال بينهم الليل بظلامه، وبات كل واحد من الفريقين في سلاحه إلى صبيحة يوم السبت، فطلب كل من الفريقين مقامه، وتحقق المسلمون أن ورائهم الأردن ومن بين أيديهم بلاد العدو، وأنهم لا ينجيهم إلا الاجتهاد في الجهاد، فحملت أطلاب المسلمين من جميع الجوانب، وحمل القلب، وصاحوا صيحة رجل واحد، فألقى الله الرعب في قلوب الكافرين، وكان حقاً عليه نصر المؤمنين، ولما أحس القومص (٣) بالخذلان هرب منهم في أوائل الأمر وقصد جهة صور، وتبعه جماعة من المسلمين، فنجا منهم وكفى الله شره، وأحاط المسلمون بالكافرين من كل جانب، وأطلقوا عليهم السهام، وحكموا فيهم السيوف وسقوهم كأس الحمام، وانهزمت طائفة منهم فتبعها أبطال المسلمين فلم ينج منها أحد، واعتصمت طائفة منهم بتل يقال له تل حطين، وهي قرية عندها قبر النبي شعيب عليه السلام، فضايقهم المسلمون وأشعلوا حولهم النيران، واشتد بهم العطش وضاق بهم الأمر، حتى كانوا يستسلمون للأسر خوفاً من القتل، لما مر بهم، فأسر


(١) السيرة: ٧٦.
(٢) السيرة: فتبايتا.
(٣) القومص Comes هو ريموند صاحب طرابلس (Reimond) .

<<  <  ج: ص:  >  >>