للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصليب الصلبوت، على أن يخرجوا بأنفسهم سالمين، وما معهم من الأموال والأقمشة المختصة بهم وذراريهم ونسائهم، وضمنوا للمركيس - لأنه كان الواسطة في هذا الأمر - أربعة آلاف دينار، ولما وقف السلطان على الكتب المشار إليها انكر ذلك إنكاراً عظيماً وعظم عليه الأمر، وجمع أهل الرأي من أكابر دولته وشاورهم فيما يصنع، واضطربت آراؤه وتقسم فكره وتشوش حاله، وعزم على أن يكتب في تلك الليلة مع العوام وينكر عليهم المصالحة على هذا الوجه، وهو يتردد في هذا، فلم يشعر إلا وقد ارتفعت اعلام العدو وصلبانه وناره وشعاره على سور البلد، وذلك في ظهيرة يوم الجمعة سابع عشر جمادى الآخرة من السنة، وصاح الفرنج صيحة عظيمة واحدة، وعظمت المصيبة على المسلمين واشتد حزنهم، ووقع فيهم الصياح والعويل والبكاء والنحيب.

ثم ذكر ابن شداد (١) بعد هذا أن الفرنج خرجوا من عكا قاصدين عسقلان ليأخذوها، وساروا على الساحل، والسلطان وعساكره في قبالتهم، إلى أن وصلوا إلى أرسوف، فكان بينهما قتال عظيم، ونال المسلمين منه وهن شديد، ثم ساروا على تلك الهيئة تتمة عشر منازل من مسيرهم من عكا، فأتى السلطان الرملة، وأتاه من اخبره بأن القوم على عزم عمارة يافا وتقويتها بالرجال والعدد والآلات، فأحضر السلطان أرباب مشورته وشاورهم في أمر عسقلان وهل الصواب خرابها ام بقاؤها فاتفقت آراؤهم أن يبقى الملك العادل في قبالة العدو، ويتوجه هو بنفسه ويخربها خوفاً من أن يصل العدو إليها ويستولي عليها وهي عامرة، ويأخذ بها القدس وتنقطع بها طريق مصر. وامتنع العسكر من الدخول وخافوا مما جرى على المسلمين بعكا، ورأوا أن حفظ القدس أولى، فتعين خرابها من عدة جهات، وكان هذا الاجتماع يوم الثلاثاء سابع عشر شعبان سنة سبع وثمانين وخمسمائة، فسار إليها سحرة الأربعاء ثامن عشر الشهر. قال ابن شداد (٢) : وتحدث معي في معنى خرابها بعد أن تحدث


(١) السيرة: ١٧٥.
(٢) السيرة: ١٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>