للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأربعاء الثاني والعشرين من شعبان سنة ثمان وثمانين وخمسمائة، ونادى المنادي بانتظام الصلح، وان البلاد الإسلامية والنصرانية واحدة في الأمن والمسالمة، فمن شاء من كل طائفة يتردد إلى بلاد الطائفة الأخرى من غير خوف ولا محذور، وكان يوماً مشهوداً نال الطائفتين فيه من المسرة ما لا يعلمه إلا الله تعالى. وقد علم الله تعالى أن الصلح لم يكن عن مرضاته وإيثاره، ولكنه رأى المصلحة في الصلح لسآمة العسكر ومظاهرتهم بالمخالفة، وكان مصلحةً في علم الله تعالى، فإنه اتفقت وفاته بعد الصلح، فلو اتفق ذلك في أثناء وقعاته كان الإسلام على خطر.

ثم أعطى للعساكر الواردة عليه من البلاد البعيدة برسم النجدة دستوراً فساروا عليه، وعزم على الحج لما فرغ باله من هذه الجهة. وتردد المسلمون إلى بلادهم، وجاءوا هم إلى بلاد المسلمين، وحملت البضائع والمتاجر إلى البلاد، وحضر منهم خلق كثير لزيارة القدس.

وتوجه السلطان إلى القدس ليتفقد احوالها، واخوه الملك العادل إلى الكرك، وابنه الملك الظاهر إلى حلب، وابنه الأفضل إلى دمشق. وأقام السلطان بالقدس يقطع الناس ويعطيهم دستوراً، ويتأهب للمسير إلى الديار المصرية، وانقطع شوقه عن الحج، ولم يزل كذلك إلى أن صح عنده مسير مركب الانكتار متوجها إلى بلاده في مستهل شوال، فعند ذلك قوي عزمه أن يدخل الساحل جريدة يتفقد القلاع البحرية إلى بانياس، ويدخل دمشق ويقيم بها أياماً قلائل، ويعود إلى القدس ومنه إلى الديار المصرية.

قال شيخنا ابن شداد (١) : وأمرني بالمقام في القدس إلى حين عوده لعمارة مارستان أنشأه به، وتكميل المدرسة التي أنشأها فيه. وسار منه ضاحي نهار الخميس السادس من شوال سنة ثمان وثمانين وخمسمائة. ولما فرغ من افتقاد (٢) أحوال القلاع وإزاحة خللها دخل دمشق بكرة


(١) السيرة: ٢٣٩.
(٢) المختار: تفقد.

<<  <  ج: ص:  >  >>