للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأربعاء سادس عشر شوال، وفيها أولاده: الملك الأفضل، والملك الظاهر، والملك الظافر مظفر الدين الخضر المعروف بالمشمر، وأولاده الصغار. وكان يحب البلد ويؤثر الإقامة فيه على سائر البلاد. وجلس للناس في بكرة يوم الخميس السابع والعشرين منه، وحضروا عندهم وبلوا شوقهم منه، وأنشده الشعراء، ولم يتخلف أحد عنه من الخاص والعام، وأقام ينشر جناح عدله ويهطل سحاب إنعامه وفضله، ويكشف مظالم الرعايا. فلما كان يوم الاثنين مستهل ذي القعدة عمل الملك الأفضل دعوة للملك الظاهر، لانه لما وصل إلى دمشق وبلغه حركة السلطان أقام بها ليتملى بالنظر إليه ثانياً، وكأن نفسه كانت قد أحست بدنو أجله، فودعه في تلك الدفعة مراراً متعددة. ولما عمل الملك الأفضل الدعوة أظهر فيها من الهمم العالية ما يليق بهمته، وكأنه أراد بذلك مجازاته عما خدمه به حين وصل إلى بلده، وحضر الدعوة المذكورة أرباب الدنيا والآخرة، وسأل السلطان الحضور فحضر جبراً لقلبه، وكان يوماً مشهوداً على ما بلغني.

ولما تصفح الملك العادل أحوال الكرك وأصلح ما قصد إصلاحه فيه، سار قاصداً إلى البلاد الفراتية، فوصل إلى دمشق في يوم الأربعاء سابع عشر ذي القعدة وخرج السلطان إلى لقائه، وأقام يتصيد حوالي غباغب إلى الكسوة حتى لقيه، وسارا جميعاً يتصيدان. وكان دخولهما إلى دمشق آخر نهار يوم الأحد حادي عشر ذي الحجة (١) سنة ثمان وثمانين، وأقام السلطان بدمشق يتصيد هو وأخوه وأولاده، ويتفرجون في أراضي دمشق ومواطن الصبا، وكأنه وجد راحة مما كان به من ملازمة التعب والنصب وسهر الليل، وكان ذلك كالوداع لأولاده ومراتع نزهه، ونسي عزمه إلى مصر، وعرضت له أمور أخرى وعزمات غير ما تقدم.

قال ابن شداد (٢) : ووصلني كتابه إلى القدس يستدعيني لخدمته، وكان شتاء شديداً ووحلاً عظيماً، فخرجت من القدس في يوم الجمعة الثالث والعشرين


(١) كتب فوقها في المسودة: القعدة؛ وهو لا يتفق مع ما تقدم.
(٢) السيرة: ٢٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>