للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رحمه الله تعالى وقدس روحه، فلقد كان من محاسن الدنيا وغرائبها.

وذكر سبط ابن الجوزي في تاريخه في سنة ثمان وسبعين وخمسمائة ما مثاله (١) : وفي خامس المحرم خرج صلاح الدين من مصر، فنزل البركة قاصداً الشام، وخرج أعيان الدولة لوداعه، وانشده الشعراء أبياتاً في الوداع، فسمع قائلاً يقول في ظاهر الخيمة:

تمتع من شميم عرار نجد ... فما بعد العشية من عرار فطلب القائل فلم يوجد، فوجم السلطان وتطير الحاضرون، فكان كما قال، فإنه اشتغل ببلاد الشرق والفرنج، ولم يعد بعدها إلى مصر.

قلت: وهذا البيت من جملة أبيات في " الحماسة " في باب النسيب (٢) .

وذكر شيخنا عز الدين ابن الأثير في تاريخه الكبير هذه القضية على صورة أخرى، فقال (٣) : ومن عجيب ما يحكى من التطير أنه لما برز عن القاهرة أقام بخيمته حتى تجتمع العساكر، وعنده أعيان دولته والعلماء وأرباب الآداب، فمن بين مودع له وسائر معه، وكل واحد منهم يقول شيئاً في الوداع والفراق، وفي الحاضرين معلم لبعض أولاده، فأخرج رأسه من بين الحاضرين، وأنشد هذا البيت، فانقبض صلاح الدين وتطير بعد انبساطه وتنكد المجلس على الحاضرين، فلم يعد إليها إلى أن مات مع طول المدة.

وذكر ابن شداد أيضاً في أوائل " السيرة " أنه مات ولم يخلف في خزانته من الذهب والفضة إلا سبعة وأربعين درهماً ناصرية، وجرماً واحداً ذهباً صورياً، ولم يخلف ملكا: لا داراً ولا عقاراً ولا بستاناً ولا قرية ولامزرعة.

وفي ساعة موته كتب القاضي الفاضل إلى ولده الملك الظاهر صاحب حلب بطاقة مضمونها (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) (الأحزاب:


(١) مرآة الجنان: ٣٦٨ - ٣٦٩.
(٢) الحماسية رقم: ٤٦٦ (شرح المرزوقي) .
(٣) تاريخ ابن الأثير ١١: ٤٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>