وكان يخرج إلى حامد، في كل يوم، دفاتر، ممّا حمل من دور أصحاب الحلّاج، وتجعل بين يديه، فيدفعها إلى أبي، ويتقدّم إليه، بأن يقرأها عليه، فكان يفعل ذلك دائما.
فقرأ عليه في بعض الأيام، من كتب الحلّاج، والقاضي أبو عمر «١» حاضر، والقاضي أبو الحسين ابن الأشناني «٢» ، كتابا حكى فيه، أنّ الإنسان إذا أراد الحجّ، ولم يمكنه، أفرد في داره بيتا، لا يلحقه شيء من النجاسة، ولا يدخله أحد، ومنع من تطرقه، فإذا حضرت أيام الحج، طاف حوله، طوافه حول البيت الحرام، فإذا انقضى ذلك، وقضى من المناسك ما يقضي بمكة مثله، جمع ثلاثين يتيما وعمل لهم أمرأ ما يمكنه من الطعام، وأحضرهم إلى ذلك البيت، وقدّم إليهم ذلك الطعام، وتولى خدمتهم بنفسه، فإذا فرغوا من أكلهم، وغسل أيديهم، كسا كل واحد منهم قميصا، ودفع إليه سبعة دراهم، أو ثلاثة- الشكّ مني- فإذا فعل ذلك، قام له مقام الحج.
فلما قرأ أبي هذا الفصل، التفت أبو عمر القاضي إلى الحلّاج، وقال له:
من أين لك هذا؟
قال: من كتاب الإخلاص للحسن البصري «٣» .
فقال له أبو عمر: كذبت يا حلال الدم، قد سمعنا كتاب الإخلاص للحسن البصري بمكة، وليس فيه شيء مما ذكرته.
فلما قال أبو عمر: كذبت يا حلال الدم، قال له حامد: اكتب بهذا.
فتشاغل أبو عمر بخطاب الحلّاج، فأقبل حامد، يطالبه بالكتاب بما قاله،