للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وندبنا أكابر الغلمان، وثقاة الخدم، لتسييرهم بأعمّ رأفة وأتمّ رفق، حسب ما أمرنا به من ترفيه السبي، ومراعاة الأسرى، إلى أن عبرنا بجميعهم من الفرات، بحيث سألنا صاحبهم الانجذاب إليه، ورغب إلينا في النزول عليه، تأنّسا بمجاورة الدروب المستصعبة، وحذرا من مفارقة الجبال المستعصمة.

فلما اقتضى قربنا سرعة المسير، وتنجّزه دنوّنا لإمضاء الأمر بعد التقرير.

أقدم مرتابا بإقدامه، وسار متّهما عواقب رأيه واعتزامه، بجموع يفرّق الجزع آراءها، وقلوب يشتت الخوف أهواءها، وأفكار مكدودة بالوجل، ومنن «١» مستعبدة لأوامر الفشل، يحسبون كل صيحة عليهم، هم العدوّ فاحذرهم، إلى أن حلّ بفنائنا ملقيا مقاليد أمره [١٧١ ب] إلى الاستسلام، وآخذا من وفائنا بأوكد ذمام.

وافتتحنا الفداء يوم السبت غرّة رجب الذي هو غرّة الأشهر الحرم، وقد عرّف الله تعالى المسلمين ما استودعناه من صالح الأعمال، وزكيّ الأفعال، وتعجّل البركات، وتناصر الخيرات، فاستمرّ بأكمل هدي، وأنجح سعي، وأبسط قدرة، وأعمّ نصرة، وأعزّ سلطان، وأوضح برهان، وكلمة الله العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى، والله عزيز حكيم.

ولم تزل الحال في ذلك جارية على أحكم نظام، وأحسن التئام، إلى أن استنقذ الله بنا من كاد تطاول الأسر يستغويه، والإياس من الخلاص أن يرديه، وهم على أفضل ما عهدناهم عليه من حسن اليقين، والتمسّك بعصم الدين.

وسار عنّا من فاديناه من البطارقة المذكورين، والزراورة المشهورين، بأجسام ضاعنة، وقلوب قاطنة، تتلفّت إلى ما خلّفته من غامر تفضّلنا، وألفته من ألطاف تطوّلنا.