للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النّقل، ولقد بعد في نفسي ما أخبرتني به، فلما شاهدته صدّقتك، وعظم في نفسي بلد يكون مثل هذا فيه مبتذلا، ولم أصدّق ذلك لو لم أشاهده.

ثم قال لي: ويحك، تشربون مثل هذا، وتتنقّلون بمثل هذا، وتموتون؟

إنّ هذا لأمر عجيب.

ثم صار يستدعيني، كلّ يوم، إلى تلك الحجرة، فآكل معه، ونشرب، ويخرج إليّ بالأحاديث.

فلما أنست به، قلت له: أيّها الملك، أتأذن لي، أن أسأل عن شيء؟

قال: قل.

قلت: إنّ الله عزّ وجل، قد جمع لك من [٨٩] الملك العظيم، أنّك جالس في هذه الحجرة في قطعة من دار الخلافة بالعراق، بلا فرق ولا شكّ، وقد أعطاك من حسن الرأي والفهم، واللسان العربيّ، ما جعلك به، كأنّك رجل من أهل بغداد، فمن أين لك هذا؟

فقال: ويحك، إنّ أبي كان من أولاد الملوك، وقتل أبوه، وانتزى على ملكه بعض قوّاده، ثم خرج عليه، ولم يكن من أهل بيت الملك، فهرب أبي خوفا على دمه، إلى عمان، فدخلها مستخفيا، وتنقّل في البلدان، إلى أن وقع ببغداد، في زيّ التجّار، ومعه من يخدمه، ويكتم أمره، وطاف بلدان العراق، وكانت المادة تحمل إليه من هاهنا.

فأقام بالعراق سنين، حتى تفصّح بالعربية، وعاشر أهل العراق، ونكح منهم، وخالطهم، وتطاولت السنون به، ومات ذلك الخارجيّ، الذي قتل أباه، وغصبه الملك، فأوقف أهل المملكة الملك عليه، وكاتبوه بالصورة، واستقدموه، وأمدّوه بالأموال، فاستصحب قوما من [٩٠] العراقيّين، من أهل الأدب والعشرة، وأهل الصنائع، فقدم، فملك الأمر، وجعل غرضه،