للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولم يبق على الأرض العاقلة تنزيلٌ لا يأتيه الباطلُ من يديه ولا من خلفه، سوى كتاب واحد لا غير، هو كتاب الله تبارك اسمه، ثم بيان هذا الكتاب، وهو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. فهما بجميع ما نزل فيهما، وما يستنبطُ منهما، غير مؤول عن حقه، ولا مصروف عن وجهه ولا مضروب بعضه ببعض: أخرجا الذين آمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - من الظلمات إلى النور، فجعلهم أمة وسطًا ليكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليهم شهيدًا. فلما أطاعوا الله وأطاعوا رسوله، واتبعوا ما أنزل إليهم وساروا بما استطاعوا مما أوحي إليهم من البينات والكتاب والحكمة أثنى عليهم ربهم بأفضل ثنائه سبحانه فقال لهم: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [سورة آل عمران: ١١٠]. ثم نبأهم بعد بما نعتهم به فيما نزل على موسى - صلى الله عليه وسلم -، وفيما نزل على عيسى بن مريم - صلى الله عليه وسلم - من قبل أن يكونوا هم شيئًا مذكورًا فقال لهم فيما يتلى عليهم: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [سورة الفتح: ٢٩]. صدق الله وكذب القوَّالون.

فهؤلاء الذين زكّاهم ربهم وعلّمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين، وبشّرهم في أواخر ما نزل على نبيهم: بآخرين منهم لمّا يلحقوا بهم، من سائر التابعين ومن تبعهم بإحسان، هم الذين كان بهم تاريخ الإسلام تاريخًا، وبما اتبعوا من آدابه وأخلاقه وسننه، وبما كانوا به بشرًا يتعاشرونَ فيتآلفون ويتنافَرون، وبما أخطأوا وأصابوا، وبما عدلوا وأسرفوا، وبما استغفروا إلى ربهم وتابوا، وبما اجتهدوا فأحسنوا أو اجتهدوا فأساءوا، وبكلّ ما تكون به الحياة الإنسانية حياةً مختلفة الأبدان والوجوه والصور والأعمار، مختلفة الطبائع والغرائز والنوازع، مختلفة الحاجات والدوافع، مختلفة المساخط والمحامد، مختلفة فيما يحبُّ وما يكره، مختلفةً فيما يغضبُ ويرضى، معدَّلة في كل ذلك