١١ - "ذلك أبو معاوية. فأما أمه هند بنت عتبة، فهي تلك التي وقفت يوم أحد، تلغ في الدم إذ تنهش كبد حمزة كاللبؤة المتوحشة، لا يشفع لها في هذه الفعلة الشنيعة حق الثأر على حمزة، فقد كان قد مات. وهي التي وقفت بعد إسلام زوجها كرها بعد إذ تقررت غلبة الإسلام تصيح. "اقتلوا الخبيث الدنس الذي لا خير فيه. قُبّح من طليعة قوم! هلا قاتلتم ودفعتم عن أنفسكم وبلادكم؟ ".
* * *
هؤلاء أربعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يذكرهم كاتب مسلم، بمثل هذه العبارات الغريبة النابية! بل زاد، فلم يعصم كثرة بني أمية من قلمه، فطرح عليهم كلّ ما استطاع من صفات تجعلهم جملة واحدة، برآء من دين الله؛ ينافقون في إسلامهم، وينفون من حياتهم كل عنصر أخلاقى! كما سماه. وأنا لن أناقش الآن هذا المنهج التاريخى، فإن كلّ مدع يستطيع أن يقول: هذا منهجى، وهذه دراستى. بل غاية ما أنا فاعل أن أنظر كيف كان أهل هذا الدين، ينظرون إلى هؤلاء الأربعة بأعيانهم، وكيف كانوا -هؤلاء الأربعة- عند من عاصرهم ومن جاء بعدهم من أئمة المسلمين وعلمائهم. وأيضًا فإني لن أحقق في هذه الكلمة فساد ما بُنى عليه الحكم التاريخيّ العجيبُ، الذي استحدثه لنا هذا الكاتب، بل أدعه إلى حينه.
فمعاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه -، أسلم عام القضية؛ ولقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسلمًا؛ وكتم إسلامه من أبيه وأمه. ولما جاءت الردة الكبرى؛ خرج معاوية في هذه القلة المؤمنة التي قاتلت المرتدّين؛ فلما استقر أمرُ الإسلام وسير أبو بكر الجيوش إلى الشام سار معاوية مع أخيه يزيد بن أبي سفيان - رضي الله عنه -. فلما مات يزيد في زمن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال لأبى سفيان: أحسن الله عزاءك في يزيد. فقال أبو سفيان. من ولّيت مكانه؟ قال. أخاه معاوية. قال: وصلتك رحم يا أمير المؤمنين. وبقى معاوية واليا لعمر على عمل دمشق. ثم ولاه عثمان الشام كلها؛ حتى جاءت فتنة مقتل عثمان؛ فولى معاوية دم عثمان لقرابته؛ ثم كان بينه وبين على ما كان.