للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ويروى البخاري: (٥: ٢٨) أن معاوية أوتر بعد العشاء بركعة وعنده مولى لابن عباس، فأتى ابن عباس، فقال: دعه فإنه صحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقال في خبر آخر: هل لك في أمير المؤمنين معاوية فإنه أوتر بواحدة، فقال ابن عباس: إنه فقيه. وروى أحمد في مسنده (٤: ١٠٢) عن مجاهد وعطاء عن ابن عباس أن معاوية أخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قصر شعره بمشقص (١). فقلت لابن عباس: ما بلغنا هذا الأمر إلا عن معاوية! فقال: ما كان معاوية على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متهمًا. وعن أبي الدرداء: ما رأيت أحدًا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشبه صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أميركم هذا يعني معاوية (مجمع الزوائد ٩: ٣٥٧). وروى أحمد في مسنده (٤: ١٠١) عن أبي أمية عمرو بن يحيى بن سعيد عن جده أن معاوية أخذ الإداوة (٢) بعد أبي هريرة يتبع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بها، واشتكى أبو هريرة، فبينا هو يوضئ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رفع رأسه إليه مرة أو مرتين فقال: يا معاوية؛ إن وليت أمرًا فاتق الله -عزّ وجل- واعدل. قال معاوية: فما زلت أظن أنى مبتلى بعمل لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى ابتُليتُ. وروى أحمد في مسنده (٤: ١٢٧) عن العرباض بن سارية السلمى قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يدعونا إلى السحور في شهر رمضان: هلموا إلى الغداء المبارك! ثم سمعته يقول: اللهمّ علم معاوية الكتاب والحساب وقِه العذاب. وروى أحمد في مسنده (٤: ٢١٦) عن عبد الرحمن ابن أبي عميرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ذكر معاوية فقال: "اللهم اجعله هاديًا مهديًّا واهد به".

هذا بعض ما قيل في معاوية - رضي الله عنه -، وفي دينه وإسلامه. فإن كان هذا الكاتب قد عرف واستيقن أن الروايات المتلقفّة من أطراف الكتب تنقض هذا نقضا حتى يقول إنّ الإسلام برئ منه، فهو وما عرف. وإن كان يعلم أنه أحسنُ نظرًا ومعرفة بقريش من أبي بكر حين ولّى يزيد بن أبي سفيان، وهو من بني أمية، وأنفذ بصرًا من عُمرَ حين ولّى معاوية. فهو وما علم! وإن كان يعلم أنّ معاوية لم


(١) المشقص: نصل طويل عريض (المقص).
(٢) الإداوة: إناء من جلد صغير كالقربة.