للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يُقاتل في حروب الردّة، إلّا وهو يضمر النفاق والغدر، فله ما علم. وإن كان يرى ما هو أعظمُ من ذلك؛ أنه أعرف بصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، من رسول الله الذي كان يأتيه الخبر من السماء بأسماء المنافقين بأعيانهم، فذلك ما أعيذه مِنهُ أن يعتقده أو يقوله. ولكن لينظر فرق ما بين كلامه وكلام أصحاب رسول الله عن رجل آخر من أصحابه، ثم ليقطع لنَفسه ما شاء من رحمة الله أو من عذابه. ولينظر أيهما أقوى برهانًا في الرواية هذا الذي حدثنا به أئمة ديننا، أم ما انضمَّت عليه دفَّتا كتاب من عُرْض كتب التاريخ، كما يزعمون. ولينظر لنفسه حتى يرجّح رواية على رواية، وحديثًا على حديث، وخبرًا على خبر، وليعلم أن الله تعالى أدّب المسلمين أدبًا لم يزالوا عليه منذ كانت لدين الله الغلبة، حتى ضرب الله على أهل الإسلام الذّلة بمعاصيهم وخروجهم عن حدّ دينهم، واتباعهم الأمم في أخلاقها وفي فكرها وفي تصورّها للحياة الإنسانية. يقول ربُّنا سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} ويقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} ويقول {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}. ولينظر أنّى له أن يعرف أن معاوية كان يعمل "بوحي الجاهلية لا الإسلام"، وأنه بعيد الروح عن حقيقة الإسلام، وأن الإسلام لم يَعمُر قلبه، وأنه خنق روح الإسلام هو وبنو أبيه، وأنه هو وعمرو بن العاص ومن على شاكلتهم، لا يمسكهم خُلق ولا دين ولا ضمير، وأن في أسلاخ معاوية وبنى أمية جريمة أي جريمة على الإسلام والمسلمين، وأنه يخيس بالعَهد ويجهر بالكبيرة جهرة المتبجحين، وأنه ما لمعاوية وهذا الإسلام؟ وأنه ينفي العنصر الأخلاقى من سيرته ويجعل مال الله للرشى واللهي وشراء الذمم، وأنه هو وبنو أمية آمنوا على حرف حين غَلب الإسلام.

* * *

أما أبو سفيان - رضي الله عنه -، فقد أسلم ليلة الفتح، وأعطاه رسول الله من غنائم حنين كما أعطى سائر المؤلفة قلوبهم فقال له: والله إنك لكريم فداك أبي