للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

هل زاد هؤلاء الرجال الذين ظفروا في ميادين العلوم الطبيعية والرياضية بأعلى الدرجات العلمية، على أولئك الأسلاف السذج شيئًا في درجة التصديق؟ هل زاد هؤلاء على أولئك شيئًا إلا صفحات من علوم "حفظوها" ليلقنوها لطلابهم تلقينا، لقاء الرواتب التي ينفقونها على مظاهر الحياة، فيبدون للأعين وكأنهم اختلفوا عن سائر العامة العوام في نظرتهم اللاعلمية إلى تسلسل الأحداث. . . فهل أقول إننا في حياتنا الثقافية ما زلنا في مرحلة السحر التي تعالج الأمور بغير أسبابها الطبيعية وإننا لولا علم الغرب وعلماؤه، لتعرت حياتنا الفكرية على حقيقتها، فإذا هي حياة لا تختلف كثيرا عن حياة الإنسان البدائى في بعض مراحلها الأولى". وبهذه المرارة أيضًا يصف جماهير الأمة العربية قديما بأنهم "دراويش بالوراثة"، ليسقط هذه الصفة على "جماهيرنا اليوم"، مشيرا إلى محنة يعيشها اليوم في حياتنا الثقافية والفكرية، بلا إبانة عما يقصد بذلك كله (التجديد ص: ١٦٣ وما بعدها).

وتنتقل هذه السمة من الكتاب الأول إلى الكتاب الثاني (المعقول واللامعقول ص: ١٨٥ - ١٨٧)، فإذا هو يتناول هؤلاء أنفسهم بالرمز الغامض، وذلك في الفصل الَّذي كتبه عن "إخوان الصفا يقول: "نمضى مع إخوان الصفا في حديثهم الممتع، الَّذي هو جدير بأن يذكر لمعاصرينا -لا أقول من عامة الناس- بل لمعاصرينا الأجلاء أساتذة الفلسفة في الجامعات، الذين شالوا الدنيا وحطوها من الغضب، حين ساير كاتب هذه الصفحات شعبة من الفلسفة المعاصرة. . . هكذا ربما صاح في وجهي أنصار "الجوانية" من أساتذة الفلسفة المعاصرين لنا في مصر بالذات. . . فإذا رأينا هذا، عجبنا أشد العجب من نفر من الزملاء؛ سواء منهم من جعل تدريس الفلسفة في الجامعات العربية حرفته؛ أو من اكتفى بثقافة عامة، سمعوا من مؤلف هذا الكتاب دفاعا عن موقف كهذا، فاتهمه بالكفر من اتهم، وبالجهل آخرون. .". كلام مر متفجر.

وكنت أتمنى ألا تكون المرارة التي يجدها صديقي الكريم، مدعاة إلى مثل هذا الغموض في التعبير وفي الإشارة لأنى أرى البيان أولى بالعلماء من الكناية.