للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأنا أخشى أن يكون صديقي إنما كتب هذين الكتابين بمرارة: للرد على هؤلاء الذين آذوه، لا للبحث الصادق عن طريق لتجديد الفكر العربي، وللبيان عن الجزء المعقول واللامعقول في تراثنا الفكرى، فهذا أيضًا موقف لا أحبه، لأنه عندي غير معقول! وكان أولى به عندي أن يصرح. ولقد أحس هو نفسه، بأن هذا الغموض مرغوب عنه، فإن حديثه الجميل عن "عبد القاهر الجرجانى"، أنَّه كان قد أبدى رأيا في النقد الأدبي، فهاجمه من هاجمه؛ قال: "فما هو إلا أن مرت على ذلك بضعة أعوام، واذا بعجيبة من عجائب الحياة الثقافية المعاصرة في مصر؛ تظهر في الأفق بلا حياء، وهي أن نسبت هذه الفكرة عينها، للرجل عينه الَّذي كان قد تصدى لكاتب هذه الصفحات أول الأمر بالمعارضة والمجادلة"، وهذا شيء قبيح بلا ريب وظلم مفزع ثم أدرك الدكتور زكي أن هذا الغموض في الإشارة لا داعى له، فلجأ إلى التصريح فقال: "ولماذا أخفي الأسماء؟ أنَّه الدكتور محمد مندور، ومات الدكتور مندور، ونهض له مناصرون يبرزون أهم ما استحدثه في النقد الأدبى، فإذا بينه فكرة "القراءتين" هذه: قراءة أولى للتذوق، وقراءة ثانية للتحليل والتعليل! ! "؛ ثم عقب على هذا بكلمات حزينة مؤلمة قال: "لكن ما فائدة الندم على لبن مسكوب! لنمض في طريقنا، طاوين الصدر على ضروب من العنت والإهمال لقيناها، ولم يعد لنا في هذه المرحلة من العمر أن نرد ونعترك؛ وإنما هي ذكرى أليمة تنزو". أي مرارة من الظلم أو أي حيف لقى في حياته! ومع ذلك كله فقد أحب له أن تكون مواقفه كلها كهذا الموقف من التصريح والإبانة عن مواطن الفساد في حياتنا الأدبية، بلا غموض وبلا رموز.

وموقف ثالث، أعجبنى من ناحية، ولم يعجبنى من نواح أخرى. أعجبنى لأنه بعد قليل من التأمل يبدو واضحا جدا. لأنه موقف انحياز كامل من جميع نواحيه إلى ما يسميه "ثقافة الغرب"، كقوله آنفا: "لولا علم الغرب وعلماؤه؛ لتعرت حياتنا الفكرية على حقيقتها"، ومواضع أخرى متفرقة، صرح فيها بهذا الانحياز التام. وهذا أمر مريح، ولا غضاضة عليه في التصريح به.