للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للعزلة فقلت: ". . . حتى أستبين وجه الحق في "قضية الشعر الجاهلي": بعد أن صارت عندى قضية متشعبة كل التشعب"، (المتنبي ١: ٢٤).

فالأمر إذن، كما ترى بين جدا. "قضية الشعر الجاهلي"، هي قضيتى أنا وحدي. ومعناها عندي معنى قائم في نفسي أنا وحدي. ومهما يكن من شأن المآزق المهلكة، والمتالف المبيرة التي لم أنج من شرها وعقابيلها إلا بتوفيق من الله وحده وعصمته، فأنا وحدي أشقيت نفسي بها، ولم يكن للدكتور طه فيها جريرة، ولا كان له فيها ذنب جناه على حتى أخاصمه على هذه الجناية.

أما الذي قلت لك من أن للدكتور طه بهذه القضية "ارتباطا ما": فسأبينَه، لأزيل الضباب الذي يخلط بين معنيين متباينين، ولتعَلم أيضا أن هذا الارتباط لا يمكن أن يكون سببا في (خصومة)، ولا كان فيه ظل من (خصومة)، مع أنى أظنه كان واضحا في مقدمة كتابي "المتنبي". ما علينا أيها العزيز.

الأمر وما فيه هو أن الدكتور طه أراد أن يثيرنا نحن طلبة الجامعة يومئذ، بمسألة غربية، هي "مسألة الشعر الجاهلي". وهذه "المسألة" من حيث هي مسألة شك في صحة الشعر الجاهلي وفي صحة نسبته إلى أهل الجاهلية، ثم الإفضاء منها إلى أن الشعر الجاهلي منحول موضوع، وأنه شعر إسلامي صنعه الرواة في الإسلام، هذه "مسألة" كنت أعرفها قبل أن أدخل الجامعة، وقبل أن يلقى علينا الدكتور ما ألقى، لأنى كنت قرأتها في مقالة الأعجمى مرجليوث، وقصصت القصة في كتابى ثم قلت: "إني لم ألق بالا إلى هذا الذي قرأت: وعندي ما عندي من هذا الفرق الواضح بين الشعر الجاهلي والشعر الإسلامي"، (المتنبي ١: ١٦). ثم قلت أيضا في شأن هذا الأعجمى وزمرته "لم يكن لمثل هذه الآراء في الشعر الجاهلي وقع في نفسي يثيرنى اللهم إلا ما يثير تقززى. فما أسرع ما أسقط كلامهم جملة واحدة في يم النسيان"، (المتنبي ١: ١٨).

ثم جاءنا الدكتور طه يردد أقوال مرجليوت وآراءه وحججه، بجوهرها ونصها، أستغفر الله، بل زاد عليها تعليقاته وحواشيه، فلم يزد الأمر عندي على أن يكون ما أسمع من المحاضرات "حاشية" على متن من المتون، ولكنها