للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"حاشية" من نوع مبتكر مبتدع جديد مباين للحواشي التي كانت مألوفة يومئذ عند طلبة الأزهر. ولما كان "المتن" معروفا عندي من قبل قرأته ولم ألق إليه بالا، بل قذفته في يم النسيان، كما قلت: فإن "حاشية الدكتور طه على متن مرجليوت" (وهي المعروفة عند الناس باسم كتاب: في الشعر الجاهلي)، كانت خليقه أن تلقى نفس هذا المصير، لولا شيء سأحدثك عنه فيما بعد. وهذه "الحاشية" لم تكن تتضمن شيئا ذا بال سوى "مسألة الشك في صحة الشعر الجاهلي"، وإذن فهي لم تكن قادرة في ذاتها على إثارتى أو إثارة خصومة بيني وبين صاحبها الدكتور طه ولم يكن لها عندي أثر سوى ما بينته في كتابى حيث قلت: "تتابعت المحاضرات، وكل يوم يزداد وضوح هذا السطو العريان على مقالة مرجليوث، ويزداد وضوح الفرق لكن طريقتى في الإحساس بالشعر الجاهلي وبين هذه الطريقة التي يسلكها الدكتور طه في تزييف هذا الشعر" (المتنبي ١: ٢١). وانظر أيضا ذكر حواشي الدكتور طه في كتابي (المتنبي ١: ٢٠، ١٤٤، ١٤٥).

إذن، فبين أن "مسألة الشعر الجاهلي" بهذا القدر الذي وصفته لك آنفا، هي أولا وقبل كل شيء، مباينة تمام المباينة للذى أسميه "قضية الشعر الجاهلي"، ثم هي ثانيا بهذا القدر نفسه، مسألة كانت في ذاتها غير قادرة على أن تنشيء بيني وبين الدكتور طه (خصومة). وأيضا، لم يكن لها، لا بالفعل ولا بالقوة في نفسي أو في قلبي أو في عقلي، أو في شيء مما أكتب، أثر يمكن أن يحرك (خصومة) وإذا كنت ممن يخاصم الناس على آرائهم، لا ممن يخاصم الآراء نفسها: وكان لمثل هذه "المسألة" قدرة على إنشاء (خصومة): فأولى الناس كان بخصومتى هو مرجليوث نفسه صاحب "المسألة" وصاحب "المتن". أما الدكتور فلم يكن سوى ناقل لهذه "المسألة" وصاحب "حاشية" على هذا "المتن"، لا أكثر ولا أقل. وببديهة العقل، لا ينال الناقل صاحب الحاشية من خصومتى عندئذ، إلا قدر ضئيل كتاب لا يستحق أن يسمى (خصومة). وإذا كان ذلك كذلك، فالدكتور طه ينبغي -بلا شك، أن يكون بنَجوَة من خصومتى، أو من ضراوتها، أو من جَوْرها على الأقل.