للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعبير شاعرنا القديم الذي هجر الشعر وتفرغ للكتابة، الأستاذ كمال النجمى، أو على "استلال في خفة" على حد تعبير الأستاذ كمال أيضا. ومع كل ذلك: فقد استمرت مودتى لأستاذتا الدكتور طه صافية، لم يكدرها خلافي عليه، أو جهل شبابي عليه أحيانا. ولم يكن لهذا "الاستلهام"، أو لهذه "الاستعارة" أو لهذا "الاستلال في خفة": أثر يبلغ من قوته أن يحدث بيني وبينه (خصومة)، لا في نفسي ولا في نفسه هو أيضا. وظل الأمر بيننا سهوا رهوا (أي ساكنا لينا كنسيم الصبا)، حتى جاء عهد التحاقى بالجامعة، فغمرنى الدكتور طه بفضله، وقيدنى يإحسانه، وأحسن الشهادة لي عند مدير الجامعة، ثم أصر إصرارا حتى غلبه، فبإصراره صرت طالبا في الجامعة، وقصصت بعض القصة آنفا وفي كتابى (المتنبي ١: ٢٠، ٢١).

وهكذا كان الأمر بيني وبينه قبل دخولى الجامعة وقبل إنشائها، والدكتور طه يومئذ لم يكن سوى كاتب أديب يكتب في الصحف والمجلات، وأنا يومئذ قارئ لما يكتبه، أقرؤه في البيت أو الشارع، أو على ظهور المقاهي.

ولكن الأمر سوف يختلف اختلافا بينا حاسما حين ضمتنى وإياه أسوار الجامعة.

في الجامعة

كنت يومئذ فتى شابا غض الإهاب: فلما أنشئت الجامعة والتحقت بها، كان للفظ الجامعة معنى في نفسي، أنا الآن، بعد أكثر من خمسين سنة، يغلى بي ارتيالى وشكى: أأنا مخطئ في هذا المعنى أم مصيب؟ أقولها لك، ودمعة من عيني تنحدر على الخدين من ألم الذكرى! وقاتل الله النابغة الذبيانى الشاعر الجاهلي، ما أصدقة حيث قال، وكأنه إنما عنانى أنا، يقرعني تقريعا يوغل بي في مهاوى اليأس:

إن يكُ عامر قد قال جَهْلا، ... فإن مَظِنة الجهلِ الشباب

ولا تذهبْ بحِلْمك طامِيات ... من الخُيلاء ليس لهن بابُ

فإنك سوف تَحلُمُ، أو تَناهي ... إذا ما شِبتَ أو شاب الغرابُ

لقد شبتُ وما شاب الغراب بعد، فكيف وأني وأيان لي الحِلْم أوْ التناهي عن