للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسجد قريب في منطقة الدقي فصليت المغرب ثم انقلبت راجعا إلى البيت بعد صلاة العشاء.

أخبرني والدى أن الأستاذ نلينو جاء نائبا عن الدكتور طه، وأن الدكتور طه استحسن ذلك لأنه كان أستاذه وهو اليوم أستاذى أيضا، وقال: إنه دعا الأستاذ نلينو والأستاذ جويدى على الغداء عندنا بعد غد. جاء هذا الغد، وعدت إلى البيت بعد الظهر، لأجد الأستاذين نلينو وجويدى ومعهما أكثر من عشرين ضيفا، كلهم كان يعرفني، وهم من الأساتذة في دار العلوم، ومدرسة القضاء الشرعى، وفي الأزهر، وآخرين من أساتذتنا الكبار في ذلك العهد.

وبعد الغداء وقعت بين المطرقة والسندان. كل يتكلم مُسَفِّها لي ضِمنا أو علانية، وأنا أرد مرة وأسكت مرات حتى بلغ مني الجهد. وأخيرا وقف الأستاذ نلينو فجأة، ووجه الحديث إلى أبي، وقال إن واجبه ديانة (غريبة! ) أن يمنع ولده من السفر. فقال له أبي -رحمه الله-: لا آمر ولدى في شيء، وقد حاولت أن أقنعه بالحجة بعد الحجة فلم يقتنع. وها هو ذا بين يديك، فإن استطعت أن تبلغ في إقناعه ما لم أبلغ، فقد شفيت صدرى وأرحتنى، أما القسر فلا قسر عندي يا أستاذ نلينو. فالتفت إلى نلينو، وأطبق على إطباقا خانقا، فلم أجد لي مخلصا من قبضته إلا المصارحة. فقلت له: نعم أنا مقتنع بكل ما تقوله عني وعن تسرعى وتهورى ومخاطرتى بمستقبلي، ولكني لم أكن كما وصفت إلا لشيء واحد، هو أن معنى "الجامعة" في نفسي قد أصبح أنقاضا وركاما، فإن استطعت أن تعيد لي البناء كما كان، فأنا أول ساكن يدخله لا يفارقه. قال: ما هذا؟ ماذا تعني؟

قلت: أنت تعلم أنى بقيت معك في الجامعة سنتين لم أبرح، وتعلم ما كنت أقوله عن "مسأله الشعر الجاهلي" التي نسمعها في محاضرات الدكتور طه، وأن هذا الذي نسمعه ليس إلا "سطوا" مجردا على مقالة مرجليوث، وأنت وجميع الأساتذة تعلمون صحة ذلك. وفي خلال السنة الماضية، نُشرت كُتُب ومقالات في الصحف تكشف ذلك أبين كشف -ولكن لم يكن لهذا الكشف عندكم في الجامعة صدى إلا الصمت. فهدا الصمت إقرار من الجامعة وأساتذتها بهذا