المبدأ، مبدأ "السطو". قد مضت على سنتان صابرا، أما الآن، فلم أعد قادرا على التوفيق بين معنى "الجامعة" في نفسي، وبين هذا المبدأ الذي أقررتموه، فتقوض معني "الجامعة" وأصبح حطاما. فكيف تطالبوننى بأن أعيش سنوات أخرى بين الحطام والأنقاض؟ وأي خير أرجوه، أو ترجونه مني، إذا أنا فعلت ذلك راضيا أو غير راض؟ شيء واحد: أن يعلن الدكتور طه أن الذي يقوله في "مسألة الشعر الجاهلي"، هو قول مرجليوث بنصه، وليقل بعد ذلك أنه يؤيده ويناصره ويحتج له، أو لا يقل. فإذا فعل، فستجدنى غدا أول طالب يرابط في فناء الجامعة قبل أن تشرق الشمس. أما مع هذا الصمت، فإن نفسي لا تطيق أن تسكن الديار الخربة!
وجم نلينو، وأحسست بنظرات العيون تنفذ كالسهام في جميع أعضائى، وبغتة قال الشيخ عبد الوهاب النجار -رحمه الله-: إن هذا الفتى كان في رأسه أربعة وعشرون برجا، فطارت ولم يبق إلا برج واحد، عسى أن ينتفع به يوما ما، فيسترد الأبراج التي طارت! وسكت. وحيرتنى كلماته. ولم أدر ما عناه، أهو راض عما قلت أم غير راض؟ ثم بدأ نلينو يتكلم مرة أخرى هادئا معرضا عني، وعرض على والدى حلا آخر لإنقاذى ولكني لم أستجب لهذا الحل. وبعد يومين كنت على ظهر الباخرة التي تقلنى إلى مدينة جدة، فنزلتها، وشددت الرحال إلى بيت الله الحرام، فقضيت عمرتى، ثم عدت إلى جدة بعد أيام، فأجد أول رسالة تلقيتها من أبي وفي آخرها يقول:"زارنى في عصر اليوم الذي سافرت فيه إلى السويس، الأستاذ نلينو والدكتور طه حسين"، ولم يزد على ذلك شيئا، وختم الرسالة.
لقد أضنيتنى، أيها العزيز، وحملتنى على أن أقص قصة طويلة أنا راغب عنها، ولا خير فيها لأحد. ولكن .. أنتَ قطعت اللجام بالحسام، فلم يبق في يدي ما أكبح به جماح القلم، وقد كنت من قبل قادرا على كبح جماحه وأنا أكتب "لمحة من فساد حياتنا الأدبية" هي مقدمة كتابى "المتنبي" حيث قصصت بعض القصة كارها، ولكن ما أبشع قصة (الخصومة) وأكرهها إلى