نفسي. فالآن هل ترى من (خصومة) كانت بينى وبين الدكتور طه منذ عرفته إلى أن فارقت مصر كلها، لا الجامعة وحدها، في سنة ١٩٢٨؟
بعد الجامعة
مضت السنوات منذ سنة ١٩٢٨، وأمر الجامعة وكل ما فيها لا يعنينى. وكان ما توقعه أبي، فعدت أدراجى من الحجاز إلى مصر، لم أر الدكتور طه ولا أحدا من زملائى في الجامعة أو أساتذتى منذ ذلك اليوم إلى أن كان يناير سنة ١٩٣٦، التي خرج فيها كتابي "المتنبي". ثم جاء أسبوع الاحتفال بمرور ألف سنة على وفاة أبي الطيب، بدار الجمعية الجغرافية في النصف الثاني من سنة ١٩٣٦، فلقيت الدكتور طه مرتين متتابعتين، فقابلنى بالحفاوة والبشاشة، "ثم أخبرني أنه قرأ كتابي كله، وجاء بثناء لم أكن أتوقعه، وأطال وأفاض:(على مشهد من جميع أساتذتى في الجامعة) وغمرنى ثناؤه حتى ساخت بي الأرض، فمات لساني في فمى، فلم أستطع أن أنبس بحرف واحد، وهو آخذ بيدى لا يرسلها، إلى أن ركب، وافترقنا"، قلت ذلك وذكرت تمام القصة في كتابي، (المتنبي ١: ١٣٣، ١٣٤، ١٣٧، ١٣٨) -ثم في يناير سنة ١٩٣٧، أي بعد أقل من عام، ظهر كتاب الدكتور طه "مع المتنبي"، وساءني الكتاب، وردنى إلى سنة ١٩٢٨ وما قبلها، وإلى كل ما عنيته يومئذ من غوائل جارتى "الغول" وكذلك عادت "قضية السطو" على أعمال الناس في قلبي جَذَعَةً أي نارا حية بعد أن طفئت وخبا أُوارها.
كتبت اثنتى عشرة مقالة في صحيفة البلاغ بعنوان:"بيني وبين طه" بنيت الكلام فيها، منذ فاتحة المقالة الأولى على قول صريح بلا مواربة ولا مداهنة، أن كتابه "مع المتنبي"، "سطو" على كتابي أولا وتقليد لمنهجه، ثم على كتاب الدكتور عزام، ثم على كتاب الأعجمى بالاشير، وعلى كتب أخرى متفرقة. وكنت على نية متابعة هذه المقالات، فحدث ما بغَّض إلى هذا الأمر كله، فطرحت كتابي وكتاب الدكتور طه جانبا، وضقت بهما وبالمتنبى نفسه ذرعا. فكففت عن متابعة الكتابة، وذكرت سبب ذلك في كتابى "المتنبى ١: ١٤٢،