للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى المدرسة ويرى أشباههم الصغار، وأراد أن ينقل إلى الوزارة نفسها ويترك التدريس كان الدكتور طه يومئذ مستشارا لوزارة المعارف، فرأيت لزاما على أن أقضى حق صديقي، فاتصلت بالدكتور في بيته لأزوره، واتفقنا على الموعد.

كان هذا الصديق قد تناول الدكتور طه تناولا شديدا في بعض ما كتب من قبل، وأنا أعلم من خلائق الدكتور طه ما أعلم، فأخذت لذلك حذرى. لم أفاتحه فيما جئت له إلا بعد أن أنبأته أنى جئت في حاجة قضاؤها في سلطانه وناشدته أن يستجيب لي مهما بلغ أمرها من الصعوبة. فقال خيرا، حتى استوثقت من الأمر لم أذكر اسم الصديق، ولكني حدثته عن نكبة صديق لي مدرس في المدارس، وبلغتُ الجهد في نَعْت نَكْبته، وأحسنت وصف أخلاق صديقي وقدرته وامتيازه ومعرفته وخبرته وسألته أن يأخذه معه في مكتب المستشار، أي في مكتبه هو. فقال: سأفعل، لكن من هو هذا الذي حدثتنى عنه؟ فذكرت له اسمه، فانتفض غاضبا وقال: لا، كيف يكون هذا؟ محال! غير ممكن، إنك خدعتنى! فقمت غاضبًا وقلت لقد أعطيتنى العهد، وإذ لا عهد، فالسلام عليكم، ووليت منصرفا ولم أعقب. فنادى سكرتيره بأعلى صوته، وأمره بأن يردنى: فرجعت. فأجلسنى وقال: مالك أيها الصعيدى! فقلت مسرعا ببقية الغضب التي في نفسي: إنك ترفضه، لا لأنه كتب عنك، بل لأن ما كتبه ذكَّرك بما كتبت أنا عنك! (وأعني مقالاتى عن المتنبي). فقال: لا، يا شيخ، أتظن هذا؟ وانفثأ غضبه وظل يضحك ملء فيه. بدأ يحدثني عن هذه المقالات، وكيف كان يقرؤها؟ وعما كان يحدث بينه وبين بعض أصدقائه كلما ظهرت مقالة في البلاغ، وقال ما قال عن هذه المقالات، فأدهشنى ما قاله، وعلى كل حال لعله رأى فيها غير ما رأيت أنت أيها العزيز. ثم ختم الحديث بأن قبل شفاعتى في صديقي واستجاب لكل ما طلبته على بعض المضض. وصار موظفا عنده في مكتبه. وبعد أسبوعين أو ثلاثة زرته في مكتبه، فصارحنى بأنى قد أخلصت له النصيحة في هذا الصديق، وأثنى عليه ثناء مذهلا.