فذكرت في مقالاتي إنسانا ينطبق عليه هذا الوصف انطباقا كاملا (١)، فأوغلت في كتابة اسمه إيغالا يوهم إني أخاطبه أو أبالى به، لا، يا سيدي، فأمر الدكتور طه غير أمر هؤلاء الذين يشترون قلما بقرش من الخردواتي، فيكتبون، فيكثرون، فيعدون في الكُتَّاب! ! أمران مختلفان جدا، وزمنان مختلفان كل الاختلاف أيضا. ومع ذلك، فأنا قد نبهت مرارًا في مقالاتى أن هذا الذي أكثرت ذكر اسمه ليس إلا دمية يحركها محرك، وأن الدمية في ذاتها ليس لها قيمة تذكر، وأن اسمه الذي أذكره لا يعنينى، بل الذي كان يعنينى هو "هيئات التبشير" و"دوائر الاستعمار" التي تحرك هذه الدمى في حياتنا الأدبية وترشدها إلى الطريق. كان همى هو كشف الغطاء عن هذه الحقيقة لا غير. فإذا كنت قست هذا على هذا فالقياس فاسد: كما يقول أصحاب المنطق.
(رجل جاهل)! لم أستعمل هذا قط في حديثي عن الدكتور طه: فليس لك بحق أن تقول إني قلته، لا استخراجا من فحوى كلماتى ولا استئناسا بأنى خاطبت مرة (رجلا جاهلا)!
يقول أبو عثمان الجاحظ:"طلبتُ علم الشعر عند الأصْمَعِى، فوجدته لا يحسن إلا غريبه. فرجعت إلى الأَخْفش، فوجدته لا يتقن إلا إعرابه. فعطفت على أبي عبيدة، فوجدته لا يحسن إلا ما اتصل بالأخبار وتعلق بالأيام والأنساب، فلم أظفر بما أردت إلا عند أدباء الكتاب، كالحسن بن وهَبْ ومحمد بن عبد الملك الزيات.
أفيحل لأحد منا أن يستخرج من كلام أبي عثمان أن الأصمعى (رجل جاهل)، وأن الأخفش (رجل جاهل)، وأن أبا عبيدة (رجل جاهل)؟ أو على الأقل أن كلا منهم (رجل جاهل بالشعر)؟ ونعم أنا ذكرت الدكتور طه وكتابه "مع المتنبي" فقلت فيه أحيانا: "إنه يتهجم على غير بصيرة في الرأي، وأن في بعض كلامه فوضى وإطالة وتهويلا وثرثرة، وفي بعض كلامه اضطراب وفساد
(١) يعني لويس عوض انظر ما كتبه عنه في "أباطيل وأسمار".