مفسد، وفيه تعسف غليظ وفيه تحميل للفظ ما لا يحتمله اللفظ، وفيه سوء نقل عن الكتب، وأنه كثير المغالطة: شديد اللدد، غير مستقيم الرأي، وأنه في بعض المواضع متخلف النظر، وأنه يجهل نفسية المتنبي كل الجهل، وأنه لا يعلم أسرار الألفاظ التي يستخدمها الرجل في شعره"، إلى آخر ما قلت في مواضع متفرقة من مقالاتى التي تضمنها الجزء الثاني من كتابي. كل هذا قلته وأشد منه، ولكني لا أقول إنه (رجل جاهل) كل ما قلت من ذلك محدود بمواضع نقدى لنصوص من كلامه، لا ينسحب شيء منه انسحابا مطلقا على كل كلام يكتبه، ولا على شخصه من حيث هو أستاذ من الأساتذة الكبار. وما من أحد من الناس يخلو من عيب في بعض شأنه، فإطلاق العيب على كل شأنه مجازفة، ولكن الأساتذة الكبار قد سَنُّوا من السنن سنة المجازفة، فكأنك أيضا معذور لأنك لم تملك إلا أن تقيس سُنَّتى في الكتابة على سُنة "الأساتذة الكبار" وأنا لست منهم في شيء بحمد الله وتوفيقه.
* * *
نحن لم نزل في الثالثة. فسياق كلامك أنى وصفت الدكتور طه بأنه " (رجل جاهل)، (لا بصر له بتذوق الشعر)". وظاهر عندي أن مسألة "التذوق" مما تشغلك شغلا حتى ترددها تردادا، ولذلك، فأنا أظنها انزلقت منك في خلال هذه الجملة، حيث كان ينبغي أن تكفها وتحبسها.
نعم، أنا قلت مرارا لا أحصيها في كتابي وفي مقالاتى عن كتاب الدكتور طه "مع المتنبي" أن الدكتور: "لا بصر له بالشعر"، ولكني لم أقل قط أنه "لا بصر له بتذوق الشعر"، والجملتان غير متكافئتين في المعني، حتى تغنى إحداهما عن الأخرى أو تقوم مقامها. وأنا أعلم أن أهل زماننا يتساهلون في كل شيء، ويتساهلون خاصة في التعبير، بلا تحديد ولا تحليل لألفاظ اللغة. وكنت أحب لك أن لا تتابعهم على هذا التساهل. ولكني أعلم أيضا أن هذه هي أيضا إحدى السُّنن التي سنّها "الأساتذة الكبار"، فغلبت على الناس وعلى ألسنتهم، فأصابت منهم موقعا أغفلهم عن حقيقة الفساد الذي يجره هذا التساهل. فهل تأذن لي أن أبين عن نفسي؟