في شهر فبراير سنة ١٩٧٥، جاءني الأخ الأستاذ سامح كريم مندوبا عن مجلة الكاتب يسألنى سؤالا بمناسبة المشاركة في الاحتفال بذكرى وفاة الدكتور طه. وكان السؤال:"ما هو دور طه حسين في رأيك؟ ". وقد أجبته ونشرت الإجابة في مجلة الكاتب عدد مارس ١٩٧٥ بعنوان "كانت الجامعة هي طه حسين". بدأت الإجابة بالقصة التي ذكرتها آنفا عن قراءتى على الشيخ المرصفي، وما عرفته منه من قراءة الدكتور طه عليه من قبل، قلت في مجلة الكاتب:
"فحفزنى ذلك على أن أسعى إلى لقاء الدكتور طه وإلى السماع منه (وذلك في سنة ١٩٢٣)، فمن يومئذ عرفته من قرب. عرفته محبا لعربيته حبا شديدا، حريصا على سلامتها، (متذوقا) لشعرها ونثرها أحسن (التذوق). وعلمت أن هذا الحرص وهذا (التذوق)، كان ثمرة من ثمرات قراءته على المرصفي، فإني لم أر أحدا يحب العربية ويحرص على سلامتها كشيخنا المرصفي رحمة الله عليه. وكررت ذكر تذوقه في موضع آخر وقلت: ثم انتهى أمر الدكتور طه إلى أن صار من أكبر المدافعين عن اللسان العربي إلى آخر حياته، وأنه محال أن يحشر في زمرة الخبثاء ذوى الأحقاد من ضعاف العقول والنفوس الذين ظهروا في الحياة العربية لذلك العهد، بظهور سطوة "الاستعمار" وسطوة "التبشير"، وهما صنوان لا يفترقان ثم قلت:
"ودليل آخر، وذلك أنه حين انجلى غبار ما أثاره الدكتور طه بكتابيه:"في الشعر الجاهلي" و"مستقبل الثقافة في مصر"، وهما كتابان لا قيمة لهما من الوجهة العلمية، انجلت بعد ذلك نفس الدكتور طه، وناقض بما كتبه وبما قاله كل ما في هذين الكتابين من فساد. وَمَرُّد ذلك إلى هذه الخصال التي كادت تكون طبيعة في نفسه: من حبه للعربية وحرصه على سلامتها، وما هداه الله إليه من حسن (التذوق) لروائع البيان".
فهل تظن أن قائل هذا في الدكتور طه، يمكن أن يقول فيه "أنه (رجل جاهل)، ليس له بصر (بتذوق) الشعر هذا عجب أي عجب؟ ونعم أنا أقول