أو لينها وشدتها عند نزع الرامى عليها بالسهم. بل ربما اشتركت العين أيضا في تبين طولها وقصرها، واستوائها واعوجاجها، إلى آخر ما يتطلبه اختباره جودة القوس وصلاحها لأحسن رَمْى الرامى بسهامه. فهذا هو المطلوب من "ذوق القوس". فلفظ الذوق في هذه الحالة، حين سقط عنه عمل الجارحة وهي اللسان، صار دالاًّ على حدث مبهم غير معين ولا متميز، ولكنه بوقوعه على "جسم" تعمل فيه جارحة أخرى، وهي اليد، اكتسب قدرا مقدورا من التحديد. أزالت عنه بعض الإبهام الذي أستغرقه وأكسبته قدرا مقدورا من التعين والتميز. ولكن الإبهام لم يزل عنه زوالا تاما. هذه هي الحالة الأولى.
أما إذا قال القائل:"ذقت العذاب، وأنا أفعل كذا وكذا"، اختلف الأمر اختلافا فاصلا، فإن "العذاب" الذي وقع عليه "الذوق" إنما هو معنى من المعاني المجردة لا جسم له، ولا تعمل فيه جارحة اللسان ولا جارحة أخرى من الجوارح. هذا فضلا عن أن "العذاب" معنى من المعاني متعدد الحقائق، متعدد الصور فبديهة اللغة وبديهة متكلميها، تُسْقِط عندئذ عن لفظ "الذوق" عمل الجارحة إسقاطا تاما، لأنه تعلق بشيء ليس بجسم له طعم من مأكول أو مشروب. وبإسقاطها يدخل اللفظ في الإبهام دخولا صريحا. وزيادة على ذلك فإن "العذاب" المتعدد الحقائق والصور، يكسبه قدرة على التعدد والتنوع في مواقعه على ما يقع فيه، فإذا كان إسقاط الجارحة هنا قد جعل "الذوق" مصدرا دالا على حدث مبهم غير متعين ولا متميز، فإن وقوعه على "العذاب" وهو معنى من المعاني لا جسم له، يغرقه إغراقا في الإبهام وانعدام التعين والتميز. لا، بل إن تعدد الحقائق والصور التي يحملها لفظ "العذاب" تزيد زيادة كثيفة في إبهامه وعدم تعينه وتميزه، وهذا غاية الغايات في الإبهام إلا أن الذي حَسَّنه وجعله مقبولا أن "العذاب" على إبهامه مما تدركه الحواس إدراكا لا مرية فيه. ومن هنا أشبه الحالة الأولى بعض الشبه وهذه هي الحالة الثانية.
ومن البين أن الذي قلته في لفظ "الذوق" عندما نقل من مدارج الحقيقة إلى معارج المجاز، يصدق كل الصدق على لفظ "التذوق" لأنه فرع عنه، جاء