للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأول، فهو عمل مموه غير صريح الفعل، ولا أصيل النسبة إلى "الشعر". وعندئذ، فقد بقى لفظ "التذوق" هنا حدثًا لا صاحب له، فاقدا للعامل الذي يحدث التجانس والتطاعم بين طرفي الكلام، أي لما يُكْسِبه التعين والتميز ويخرجه من الإبهام المطلق.

وأخرى، هل ينفع "الشعر" أن أحرفه وكلماته وجمله ومعانيه أيضا، يجرى فيها جميعا تناسق أو توازن مقدر، ويكمن في سرها نغم مُتَساوِق يتحدَّر في تكوينها وتركيبها تحدُّرا يدركه السمع، حين يتتابع تساقُطها على سمع السامع تتابعًا تستلذه جارحة السمع، وهي الأذن؟ عسى أن يكون ذلك نافعا بعض النفع، إذا كان لفظ "الشعر" مقصور الدلالة على ما يميز كلاما من كلام من هذا الوجه ليس غير. فكون لفظ "التذوق" معلقا بلفظ "الشعر" من حيث هو نغم مستكن في أحرفه وكلماته، لا أكثر ولا أقل. فبهذا المعنى وحده يتجانس طرفا الكلام ويتطاعمان، ويخرج قولنا "تذوق الشعر" من الرذالة والسقوط، لأن صريح معناه هو "تذوقت نغم هذا الكلام"، لا غير، بلا عمل للتذوق في معانيه ولا في تركيبه. وهذا بلا ريب، ليس إلّا جزءا يسيرا جدا مما نعنيه حين نقول: "تذوقت الشعر" وإذن فهو غير مُغْنٍ ولا نافع كل النفع.

وأشياء أخرى كثيرة يمكن أن تقال أيضا، إذا نحن أمعنا إمعانا في التأمل والتدبر والتحليل ونحن في حالة البراءة من سطوة الإلف الذي يملك القدرة على أن يضللنا كما تضللنا الأهواء. وأيًّا ما كان، فهذا القدر كاف في أن يدلنا منذ الآن على أننا مهما جئنا به من وجوه التبرير والتحليل فسوف ننتهي إلى شيء واحد مصمت محدد، وهو أن قولنا: "تذوقت الشعر"، لفظ مشكل مجمل مبهم الدلالة غارق في الإبهام لأن صاحبه الأول، أي فاعله على الحقيقة؛ وهو جارحة "اللسان"، قد سقط عن هنا سقوطا لا رجعة فيه: ولأن لفظ "الشعر" لفظ عاجز عجزا عن أن يُكْسِبه صاحبا جديدا معينا متميزا، يمكن أن يتولى إحداث هذا الفعل يكون بديلا من صاحبه الذي سقط عنه، والذي كان معلوما مفهوما وإن لم يُذْكَر لفظه الذي يدل عليه حين نقول: "تذوقت العسل أو الطعام" وهو